تفسير قوله تعالى: (والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون)
وقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف: ١٢] أي: جميع الأصناف وجميع الأجناس، وجميع الأنعام، وجميع النعم، التي أخرجها الله سبحانه أنواعاً وأصنافاً وأجناساً، جعل لكم آية فيه، وجعل لكم نعمة فيه.
وقال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف: ١٢] أي: أوجد لكم وخلق لكم سبحانه وتعالى وهداكم في تفكيركم إلى أن تصنعوا هذه الأشياء، فجعل لكم الفلك تصنعونها، وعلم نوحاً كيف يصنع الفلك، فإذا بالعباد يصنعون كما صنع عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهداهم الله إلى أن صنعوا السيارات والطائرات والصواريخ، وجعل لهم ما يركبونه سبحانه وتعالى، وسخر لهم ذلك حتى يذكروا نعمة الله، فسخر لنا الخيل والبغال والحمير، وجعلها لنا للركوب وجعلها لنا زينة، قال تعالى: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٨] سبحانه وتعالى، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ﴾ [الزخرف: ١٢] أي: السفن، ﴿وَالأَنْعَامِ﴾ [الزخرف: ١٢] أي: بهيمة الأنعام، والأنعام تطلق على ثلاثة أشياء: على الإبل، وعلى البقر، وعلى الأغنام، فكأن هذا من العموم الذي يراد به الخصوص، فهنا الأنعام ليست كلها تركب، ولكن الذي يركب منها الإبل، وقد يركب الإنسان شيئاً آخر على وجه الندرة، ولكن لم يخلق لذلك ولذلك جاء في حديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا، وإنما خلقت للحراثة) بقرة تتكلم في الحديث يخبر النبي ﷺ أن رجلاً ركب على بقرة، وبينما هو يمشي بها، إذا بالبقرة تلتفت إليه وتقول له: لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحراثة، وليس للركوب، فتعجب الناس وقالوا: بقرة تتكلم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت به أنا وأبو بكر وعمر) وما في القوم أبو بكر ولا عمر، ولكن أراد النبي ﷺ أن يري الصحابة قوة إيمان أبي بكر وعمر؛ لأن ما يخبر به النبي ﷺ هو الحق، وما ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه، فإن تعجبتم أنتم فإن أبا بكر وعمر لا يتعجبان، وإنما يصدقان ذلك، قال: (آمنت به أنا وأبو بكر وعمر، وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعي فقال له الذئب: من لها يوم السبع، يوم لا راعي لها غيري)، وتعجب الناس ذئب يتكلم! قال: النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت به أنا وأبو بكر وعمر وما في القوم أبو بكر ولا عمر)، هذا من الأشياء العجيبة والله عز وجل يخلق ما يشاء سبحانه وتعالى، وقد جعل الحيوان أعجم لا ينطق ولا يتكلم، ولكن يرينا آية من الآيات سبحانه وتعالى أن ينطق هذا الأعجم، قال تعالى: ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ﴾ [غافر: ٨١] فهاتان آيتان: بقرة تكلمت وقالت: لم أخلق للركوب، وهذا الشاهد في هذا الحديث مع هذه الآية أن الله عز وجل جعل لكم من الفلك والأنعام، وليس الأنعام جميعها بل جعل لكم (منها) أي: بعضها خاصة الإبل تركبونها دون غيرها، وهناك حديث رواه أبو نعيم في الدلائل عن أهبان بن أوس وهو صحابي وكان يلقب بمكلم الذئب، يعني: الذي كلمه الذئب ورد عليه، وحدثت قصة عجيبة لهذا الصحابي الفاضل يقول: (كنت في غنم لي، فشد الذئب على شاة منها) هذا الرجل سبب إسلامه أنه كان مع أغنام له، والذئب شد على شاة منها، أي: أنه أخذها وخطفها، قال: (فصحت عليه فأقعى الذئب على ذنبه يخاطبني) عجيب هذا الشيء! الذئب قعد على ذنبه مثلما يقعد الإنسان على مقعدته يكلمه ويقول له: (من لها يوم تشتغل عنها؟ تمنعني رزقاً رزقنيه الله تعالى؟ قال: فصفقت يدي) يعني: متعجب، ذئب يتكلم! هذا شيء عجيب وكان كافراً قبل ذلك وقال: (قلت: والله ما رأيت شيئاً أعجب من هذا، فقال: أعجب من هذا، رسول الله ﷺ بين هذه النخلات يدعو إلى الله قال: فأتى أهبان إلى النبي ﷺ فأخبره وأسلم)، فهذه آية من آيات الله عز وجل، وليس كل الصحابة رأوا هذا الشيء، فآيات الله عز وجل لو أنها آية عامة وكذب بها الناس لأهلك الله عز وجل الناس وهذه عادة الله في عباده؛ أنه إذا أرسل آية للجميع فرأوها وعرفوها ثم لم يؤمنوا بها أتاهم العذاب من عند الله سبحانه وتعالى، ولكن يُري هذا الآيات البعض من الناس، لتكون حجة على هذا الذي رآها.
ويخبر البعض أنه رأى الحصى يسبح بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي ﷺ يقول: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي) صلوات الله وسلامه عليه، ورأى بعضهم السحابة تظل النبي ﷺ وهو يسير، وعرفوا أنه نبي صلوات الله وسلامه عليه، ورأى بعضهم انشقاق القمر لما طلبوا آية من النبي ﷺ يرونها، فأشار إلى القمر وانشق القمر فلقتين، فلقة أمام الجبل وفلقة وراء الجبل، ولكن كانت آيات للبعض وليست للجميع رحمة من رب العالمين سبحانه وتعالى.
فقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [الزخرف: ١٢] أي: الأجناس والأنواع والأصناف كلها، وقوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف: ١٢] أي: ما تركبون عليه.