النبوة رحمة الله يمنحها من يشاء
يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وما قبلها كيف أنه سبحانه متع الكفار في الحياة الدنيا، وأعطاهم فيها المال، والبنين، وإن كان لم يعط جميعهم، بل فتح على البعض وضيق على الآخرين، ولله سبحانه وتعالى الحكمة العظيمة في أن يعطي هذا ويمنع هذا سبحانه وتعالى.
فالكافر يريد الحياة الدنيا للدنيا، ولا ينظر إلى حساب ولا عذاب ولا آخرة، ولا ينظر إلا إلى ما يشتهيه فيها، والله عز وجل يقول: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف: ٢٩]، أي: جاءهم القرآن من عند الله، وجاءهم الرسول المبين الذي يبين لهم ما جاء من عند الله سبحانه وتعالى، ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾ [الزخرف: ٣٠]، من عند الله ﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٠].
لقد غرتهم الدنيا، وما هم فيه من نعيم، وغرهم الأمل، وغرتهم المناصب التي كانوا فيها فأنفوا أن يكونوا أتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولغرورهم وزعمهم بأنهم أصحاب رئاسة، فكيف يكونون أتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم؟ فكفروا برفض فكرة مجيء رسالة من السماء، وأخذوا يتشككون كيف جاءت على النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لم تأت على أحد آخر؟ فاعترضوا بغبائهم، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١]، فهم لغبائهم يريدون أن يختاروا من ينزل عليه القرآن! ويتساءلون لم لم ينزل على الوليد بن المغيرة؟ أو على ابن أخيه أبي جهل أو على رجل من الطائف كـ عروة بن مسعود أو غيره؟ لماذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فاعترضوا على ربهم سبحانه وتعالى، وكذبوا نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، قال الله موبخاً لهؤلاء: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢]، أي: ليسوا هم الذين يوزعون النبوة على من يشاءون، بل النبوة رحمة من الله عز وجل، وكذا الدين رحمة من الله سبحانه، وكذا الجنة رحمة الله سبحانه، أفبعد ذلك يعترضون؟ فليس لهم أن يقسموا الدين والنبوة والجنة على من يشاءون، بل الله هو الذي يقدر معيشتهم قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٢]، فإذا كانوا لا يملكون أن يقسموا حياتهم، ومعيشتهم، وأرزاقهم، أفيملكون أن يقسموا رحمة الله سبحانه وتعالى؟ بل نحن نتصرف في كل شئونهم ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢]، أي: جعلنا بعضهم رئيساً، وجعلنا بعضهم مرءوساً، ورفع بعضهم على بعض درجات؛ ليسخر بعضهم لبعض في الخدمة والعمل والصناعة وغير ذلك.
وهذا كله في الحياة الدنيا، لكن رحمة الله سبحانه خير مما يجمع الإنسان، ومن رحمة الله التمسك بدين الله، وهدى الله، وجنة الله، وكل ذلك خير من حطام الدنيا وما يجمع لها، إن الدنيا حقيرة كما أخبرنا النبي ﷺ حين قال: (لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى كافراً منها شربة ماء)، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بهذا المعنى العظيم فقال: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣].