تفسير قوله تعالى: (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي)
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ٤٠].
هنا تقرير مسألة القضاء والقدر ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلاً، وكلهم يتقلبون بين فضله وعدله، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلاً من عنده سبحانه وتعالى.
عقيدة المؤمن في الإيمان بالقضاء والقدر، ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [التغابن: ٢]، فالله كتب عنده في اللوح المحفوظ: من عبادي من هو كافر، ومن عبادي من هو مؤمن، يقدر ما يشاء سبحانه، ويحكم بما يشاء، ويفعل ما يريد، وليس لأحد أن يعترض على مشيئة رب العالمين.
فالمؤمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء خيره وشره حلوه ومره، هذه عقيدة المؤمن أن يؤمن بقضاء الله، قال سبحانه: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩].
والنبي صلوات الله وسلامه عليه يهدي، كما قال الله عز وجل: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢].
إذاً: هو يدل صلوات الله وسلامه عليه ويبين، ولكن لا يقدر أن يغير القلوب؛ لأن تغيير القلوب بيد رب العالمين سبحانه؛ ولذلك قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦] أنت تهدي بمعنى: تدل وتبين، ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ﴾ [النور: ٥٤]، أما أن تغير القلوب، فلا تملك ذلك؛ إنما القلوب بيد الله سبحانه وتعالى، وكم كان النبي ﷺ يسأل ربه سبحانه: (يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا إلى دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك، فسأله أصحابه: ما أكثر ما تقول ذلك يا رسول الله؟ قال: إن القلوب بيد الله بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).
فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويقرر لنا هذه العقيدة أن كل شيء بيده سبحانه، فإذا هداك الله فاحمد الله، وإذا أضلك الله فاسأل الله عز وجل أن يهديك؛ لأن بيده الخير سبحانه وتعالى.
قال: ((أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ)) أي: لو كان الإنسان قد طبع الله عز وجل على قلبه، وأعمى بصره، وجعل وقراً على أذنيه، هل أنت تسمعه بعدما أضله الله؟ فالله يعلم ما في قلب هذا الإنسان من شر وما يستحق هذا الإنسان من جزاء، فيختم على قلب هذا الإنسان، فإذا ختم الله على قلبه بسبب ما يستحق من كفر ومن عناد ومن استكبار فهل تقدر أنت أن تهدي هذا؟ ((أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ))؟ أي: هل تسمع إنساناً أصم لا يريد أن يسمع؟ لا تقدر أن تفعل ذلك، أو تهدي إنساناً أعمى قد أغمض عينيه فهو لا يرى؟ لا تقدر على ذلك، إنما الذي يقدر على ذلك الله سبحانه.
ثم قال: ﴿وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ٤٠] أي: في ضلال بين، في ضلال مفصح عن حال هذا الإنسان، فأفعاله تبين كفر قلب هذا الإنسان، فهو في ضلال مبين واضح جلي.


الصفحة التالية
Icon