تفسير قوله تعالى: (أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين)
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزخرف: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ٤٠ - ٤٤].
يقول الله سبحانه تبارك وتعالى لنبيه صلوات الله وسلامه عليه: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ٤٠]، أي: هل أنت تقدر على ذلك؟ إذا كان قد طبع الله عز وجل على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فهم لا يريدون أن يسمعوا فإن أسماعهم وقلوبهم مختوم عليهما، فلا يسمعون إلا ما يريدون ويأبون أن يسمعوا ما تدعوهم إليه من كتاب الله عز وجل، وإذا رأوا النبي ﷺ استغشوا ثيابهم ووضعوا أصابعهم في آذانهم ولم يريدوا أن يسمعوا ولا أن ينتبهوا لما يقول صلوات الله وسلامه عليه.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت: ٢٦]، وكان هذا حال هؤلاء أنهم لا يسمعون ولا يريدون أن يسمعوا وإذا كلمهم النبي ﷺ استغشوا ثيابهم وغطوا على أعينهم ووضعوا أصابعهم في آذانهم وحلفوا ألا يسمعوا منه صلوات الله وسلامه عليه.
وهؤلاء رفضوا أن يسمعوا فختم الله عز وجل عليهم فهم لا يفهمون، وعلم الله من قلوبهم الشر الذي فيها فطبع وختم عليها فهم لا يفهمون ولا يعقلون، قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦]، أي: ستهلك نفسك على آثار هؤلاء فهم لا يستحقون لأنهم مجرمون، ولأنهم عرفوا الحق الذي جاء من عند الله، وعرفوا الآيات البينات وعرفوا الإعجاز الذي في هذا القرآن ومع ذلك لا يريدون أن يسمعوا القرآن ولا أن يتبعوه غروراً وكبراً وعصبية وجاهلية وكل منهم يريد أن يكون هو الذي نزل عليه القرآن، فيحسدون النبي ﷺ على ما آتاه الله سبحانه تبارك وتعالى، فطبع الله على قلوبهم، والجزاء من جنس العمل فهم يغطون على أعينهم حتى لا ينظروا إلى النبي ﷺ والله يختم على قلوبهم فلا يفهمون ولا يعقلون فيستحقون أن يموتوا على الكفر وعلى الضلال حتى يكونوا من أهل النار.
فقوله تعالى: ﴿أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ٤٠]، أي: أفأنت تفعل ذلك؟ وهل تقدر على ذلك؟ وإذا كانوا قد ضلوا الضلال المبين وابتعدوا كل البعد عن كتاب ربهم وعن هداه المستبين، فأنت لا تقدر أن تهديهم وقد أضلهم الله سبحانه، فالأمر بيد الله سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، قال تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ [الزخرف: ٧٦].


الصفحة التالية
Icon