تفسير قوله تعالى: (كالمهل يغلي في البطون)
قال الله: ﴿كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ [الدخان: ٤٥ - ٤٦]، فيأكلون من هذه الشجرة فتنزل إلى بطونهم فتغلي في بطونهم، وكأنهم أوقدوا ناراً للقدور في بطونهم! والمهل هو النحاس المذاب، فالماء يغلي في مائة درجة مئوية، وأما النحاس والحديد فمن أجل أن يكون ذائباً فإنه يحتاج إلى أكثر من ألف ومائتين وخمسين درجة مئوية حتى يذوب، فإذا وضع في بطون هؤلاء فكيف يكون حالهم؟! قال الله: ﴿يَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾ [الدخان: ٤٥] أي: في بطون هؤلاء الكفار الذين سخروا من النبي ﷺ فاستحقوا النار، وعلى رأسهم أبو جهل لعنة الله عليه، فقد سمع هذه الآية عن شجرة الزقوم فقال: شجرة في النار! فإذا به يستهزئ ويستهين بما يسمعه، وقال للكفار: تعالوا نتزقم، إنه يكلمنا عن شجرة الزقوم، فهذا هو الزقوم، فأعطاهم تمراً وزبدة، وقال: هو تمر يثرب بالزبد، فهذا الذي يخوفنا منه، اجلسوا وكلوا من هذا الزقوم الذي يخوفنا به محمد صلى الله عليه وسلم! فالله يقول له: هذا الزقوم ستراه وستأكله في جهنم، ونزقمك به في نار جهنم والعياذ بالله، فهو طعام الأثيم كهذا الكافر أبي جهل وأمثاله، (كالمهل) أي كالنحاس المذاب.
﴿يَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾ [الدخان: ٤٥] هذه قراءة ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب، وباقي القراء يقرءونها بالتاء: (تغلي في البطون).
قال الله: ﴿كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ [الدخان: ٤٦] وهو السائل الذي بلغ النهاية في درجة الحرارة، ومنه سمي الحمام حماماً، لكونه فيه الماء الحار، ومنه الحمى التي يصاب بها الإنسان، فالحميم المذكور هنا هو السائل الذي بلغ النهاية في درجة الحرارة والعياذ بالله.
وهذه الشجرة بشعة في طعمها، بشعة في منظرها، قال الله عز وجل عن هذه الشجرة: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ﴾ [الصافات: ٦٥]، فهي كالشيطان، وأنت لم تر الشيطان، ولكن عادة الإنسان حين يتكلم عن شيء جميل جداً يقول: مثل الملاك، وعندما يتكلم عن شيء قبيح وبشع جداً يقول: مثل الشيطان، فهي غاية في البشاعة، فمنظرها مخيف، في نار مظلمة، فكيف بطعمها؟! وكيف بحرارتها في بطون هؤلاء؟!