تفسير قوله تعالى: (يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين)
قال الله تعالى: ﴿يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الدخان: ٥٣]، ففضل الله عز وجل عظيم، والجنة ليست كالدنيا، الجنة فيها أشياء غيبية يحدثنا الله عز وجل عنها، فأهل الجنة متقابلون، فمهما كثر العدد فلا أحد ينظر في قفا الآخر، ولا أحد يعطي للآخر ظهره، وإذا أراد أحدهم أن يكلم صاحبه يدور به مقعده حيث شاء، وينظر إلى من يشاء، ولا يوجد غرور في الجنة، ولا تنافر، ولا تدابر، ولا تخاصم، فيقبل بعضهم على بعض كما يقول الله سبحانه: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٥٠].
وأهل الجنة في نعيم يحبرون ويسرون، ويتفكهون، ويتكلمون بالكلام الطيب، ويلهمون التسبيح وذكر الله سبحانه، ويذكرون ما كان في الدنيا، فيقولون: ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور: ٢٦ - ٢٨].
فأهل الجنة يتذكرون نعمة الله عز وجل عليهم، فالله البر دلهم على فعل البر فدخلوا الجنة، والله الرحيم رحمهم فجعلهم من أهل جنته، فالفضل منه سبحانه، فهو صاحب الفضل العظيم الذي هدانا، وهو الذي علمنا، وهو الذي أخذ بأيدينا حتى أدخلنا جنته سبحانه؛ لأننا كنا قبل ذلك مشفقين، وكنا خائفين من رب العالمين، فأمننا ربنا سبحانه.
قال الله: ﴿يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ [الدخان: ٥٣] هذه ثيابهم، والسندس هو الرقيق من الحرير، والإستبرق الغليظ من الحرير، والإنسان يلبس ما يشتهي، فهذا يريد أن يلبس حريراً رقيقاً، وهذا يريد أن يلبس حريراً غليظاً، والحرير لا يجوز لبسه للرجال في الدنيا، ومن لبسه في الدنيا يحرم منه في الآخرة، فلا يدخل الجنة، وأما من دخل الجنة فإنه يلبسه، ولا يحرم من شيء في الجنة، فالمؤمنون يلبسون من رقيق الحرير ومن غليظ الديباج.
وقال الله: ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ [الدخان: ٥٣] أي: يقبل بعضهم على بعض كما شاء الله سبحانه، فيواجه بعضهم بعضاً، وتدور بهم مجالسهم حيث داروا.


الصفحة التالية
Icon