تفسير قوله تعالى: (حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)
قال الله تعالى: ﴿حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الأحقاف: ١ - ٢]، التنزيل كما بدأ في السورة السابقة في الجاثية: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الجاثية: ٢]، فيه بيان أن هذا القرآن نزل من السماء من عند رب العالمين، قال سبحانه: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ [الدخان: ٣]، وقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: ١]، وقال هنا: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الأحقاف: ٢].
وقد تكررت كلمة التنزيل مع هذا القرآن، فقال سبحانه: ﴿تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]، وقال: ﴿تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة: ٨٠]، وقال: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [السجدة: ٢]، وكونه نزل من السماء فيه إثبات العلو لله سبحانه وتعالى.
قوله: ((تَنْزِيلُ الْكِتَابِ)) أي: الكتاب المعهود وهو هذا القرآن العظيم، ((مِنَ اللَّهِ)) يعني: ابتداء التنزيل من عنده سبحانه من فوق سماواته، فهو الله المألوه المعبود سبحانه وتعالى، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له والله لفظ الجلالة.
قوله: (العزيز)، وهو من أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهو الغالب القوي القادر الذي لا يمانع، فنقول هنا: إن العزيز هو القادر، ولكن نقول: هناك فرق بين الاسمين، فإن عزة الله عز وجل تمنع أن يمانعه أحد وأن يتحداه أحد، فإذا رفع إنسان رأسه بالتحدي أسقطه الله وأذله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧]، فالله عز وجل هو العزيز الغالب، فإذا قضى أمراً فلا بد وأن يكون ما قضاه وقدره سبحانه وتعالى.
قوله: (الحكيم) أي: الذي له الحكمة العظيمة، فقد يفعل الإنسان من الشر ما يفعل، ويحلم عليه لحكمة؛ لأنه يعلم أنه يتوب في يوم من الأيام ويرجع إلى الله، أو يعلم سيزيد فيمهله ليأخذه وينتقم منه ويجعله عبرة للخلق، فله سبحانه الحكمة العظيمة البالغة، فهو الحكيم.


الصفحة التالية
Icon