تفسير قوله تعالى: (أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها)
يقول الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأحقاف: ١٤]، وهي دار السلام، ودار رب العالمين سبحانه، وقد خلقها الله عز وجل للمؤمنين، وكل شيء ملكه ولكنه أكرم هؤلاء فجعلهم كأنهم أصحاب الجنة الحقيقيون، وكأنهم ملكوها.
((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ)) أي: لا يفنون أبداً، ولا يكتب عليهم الموت فيها، وذلك الجزاء من جنس عملهم الصالح، ((خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))، فكل من يسمع مثل هذه الآيات ومثل هذه الأحاديث عن النبي ﷺ يعرف أن الجنة عظيمة، وأنها غالية عالية، قال صلى الله عليه وسلم: (الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
فعلى المؤمن أن يتصبر إذا خاض في الدنيا، ويمني نفسه بذلك اليوم الذي لا خوف بعده، فإذا فاته شيء في الدنيا أو أصابه قدر من الأقدار فعليه أن يمني نفسه بدخول الجنة غداً إن شاء الله، فهي لا خوف فيها ولا حزن، ولا كدر من أكدار الدنيا.
وهذا هو الذي يجعل الإنسان المؤمن يتصبر على الدنيا؛ فالجنة قريبة مهما عشنا في هذه الدار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين)، وهذه الستون أو السبعون سنة التي عاشها الإنسان لا تساوي شيء إذا قرنها بيوم من أيام يوم القيامة مقداره ألف سنة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧].
فاليوم الواحد عند الله عز وجل كالعمر الذي تعيشه في الدنيا عشرون مرة، والجنة أعلى من ذلك وأعظم، فإذا منّى الإنسان نفسه بها فإنه سيتصبر على طاعة الله عز وجل، ويتصبر عن معصية الله عز وجل، ويصبر على قضاء الله وقدره، يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠].
والمعنى: اصبر فإذا لم تستطع أن تصبر فصابر، والمصابرة فيها مفاعلة بأن يضغط على نفسه ويجرها إلى الصبر، كقولك: قتل فلان أي: انتهى من عملية القتل، وأما قاتل فإنه ما زال يحاول أن يقضي على خصمه فهو يتقاتل معه، وكذلك اصبر، ومنّي نفسك بالجنة حتى تصابر، قال تعالى: ((وَرَابِطُوا)) أي: اربط نفسك في طريق الله عز وجل على طاعته، فكأن النفس شرهة تتمنى الأماني وتريد اللعب واللهو فتحتاج إلى أن تربطها على طاعة الله، وعلى الجهاد في سبيل الله سبحانه.
قال الله تعالى: ((وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ)) أي: واتقوا عذاب الله سبحانه، وأخلصوا له العمل، واتقوا الشرك به، ﴿لََعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: ٢٠٠].
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المفلحين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.