تفسير قوله تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ [محمد: ٤ - ٦].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات عن حكم من أحكام الجهاد في سبيله سبحانه وتعالى، فيقول: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد: ٤] أي: اضربوا رقابهم كما قدمنا في الحديث السابق، والكفار: من ليس بينهم وبين المسلمين عهد ولا ذمة، فهؤلاء الذين يقاتلون، أما من بينهم وبين المسلمين عهد أو ذمة، فلهم عهدهم إلى مدتهم، فإذا كانوا يعيشون بين المسلمين، ولهم ذمة مع المسلمين، ويدفعون الجزية للمسلمين، فلهم عهدهم ولهم ذمتهم.
لكن الكافر الحربي المحارب للإسلام ولدين الله عز وجل، يحارب ويجاهد في سبيل الله عز وجل، قال: ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [محمد: ٤] أي: في أي مكان، سواء جاءوا إليكم أم نزلوا في أراضيكم، أم قابلتموهم في قتال بينكم وبينهم، قال: ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ [محمد: ٤]، وفي الآية تعويد للمسلمين على العزة بدينهم، وأن يطلب الله سبحانه في هذا الجهاد لا الدنيا، فإذا كان الجهاد لله عز وجل كان الله مع المؤمنين فنصرهم وأعلى أمرهم، لذلك لما بعث النبي ﷺ بعضاً من المسلمين في سرية لقوا بعض الكفار، وكان بينهم مسلم وكانت بينه وبين أحد المسلمين المرسلين ضعينة، فلما وصل إليهم سلم عليهم، فتحرش المسلم به فقتله زاعماً أنه يتحصن بالسلام فقط، وحقيقة أمره أنه طمع في الغنيمة التي كانت مع هذا الرجل، فقد كانت معه بعض غنمات فطمع فيها، فأخذ الغنمات وقتل الرجل، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [النساء: ٩٤] فقوله: (لَسْتَ مُؤْمِنًا) أي: لن نؤمنك، وليس المقصود بالإيمان المقابل للكفر، بل أنت على ما أنت عليه، قال: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: ٩٤]، فالآية هنا فضحت ما في النفس، وقالت: احذروا أن يكون الجهاد طلباً للدنيا، فهذا الذي صنعتموه بهذا الرجل، لم يكن ابتغاء وجه الله، بل ابتغاء هذه الغنيمة، ولقد كنتم كفاراً من قبل فمن الله عز وجل عليكم بالإسلام، فلماذا تبادرون بقتل إنسان ألقى إليكم السلام، وفي هذا تعويد للمجاهدين أن الأسير إذا استسلم فلا يجوز قتله في هذه الحالة، قال: (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) و (السَلامَ)، فالسلم: الاستسلام، والسلام: قول: السلام عليكم، ولا تقل لهذا: لست مؤمناً، أي: لن نؤمنك، قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ [النساء: ٩٤] أي: كنتم كفاراً قبل ذلك، قال: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا﴾ [النساء: ٩٤].
فهنا الله سبحانه وتعالى يعلم المؤمن أن يكون مجاهداً في سبيل الله مخلصاً له طالباً أمان الناس، هذا هو الهدف، فليس الهدف أخذ الغنيمة، وإنما هي تابعة.


الصفحة التالية
Icon