تفسير قوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة)
قال تعالى: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد: ١٨].
هؤلاء المنافقون الذين يسمعون فلا ينتفعون، والذين يقولون لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: مَاذَا قَالَ آنِفًا، قال عز وجل عنهم: ﴿َهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ﴾ [محمد: ١٨]، أي: ينتظرون الساعة فجأة ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨].
يقول قتادة: الناس رجلان: رجل عقل عن الله فانتفع بما سمع، ورجل لم يعقل ولم ينتفع بما سمع، يعني: هذا يسمع وهذا يسمع، ولكن إنساناً سمع فانتفع وآخر سمع فلم ينتفع.
وكان يقال: الناس مع هذا الدين العظيم ومع كلام رب العالمين ثلاثة أنوع: فسامع عامل، وسامع عاقل، وسامع غافل تارك.
سامع عامل أي: يسمع ويعمل بما سمع، وسامع عاقل أي: عقل وفهم هذا الذي يقال، وسامع غافل تارك يعني: يسمع الكلام ولا يستجيب، وكأنه في واد بعيد، وهذا مثل كثير من الناس، فإنك حين تذكره بالله عز وجل يتضجر، ولو أنه عاقل لما تذكره به، وعرف أن هذا الكلام الذي تقوله سيسأله الله عز وجل يوم القيامة عنه لما تضجر، فتقول له: تعال صل، فيقول لك: ما لك دعوة، وهو لو يعقل الذي يقوله لما قاله، فهو لن يصلي لك أنت وإنما سيصلي لله سبحانه تبارك وتعالى، ولو كان يعقل لما قال هذا الشيء، ولكنه في هذا الحين يهرف بما لا يعرف، ويتكلم بالكلام الذي لا يعقله بسمعه ولا بقلبه ولا ببصيرته، فيقول الكلام الذي يؤذيه، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً)، فيغضب الله عز وجل بما يقول، وليس على باله أن هذه الكلمة عظيمة، فهذا الإنسان يستهزئ، ويستهين يالدين، فيا ترى هل فهم؟ ولو كان يعقل ويتخيل النار التي يلقى فيها يوم القيامة بسبب هذه الكلمة ما قال هذه الكلمة، ولكنه ذهب عقله، وغاب فهمه، فإذا به يتكلم بالكلام الذي يؤذي به نفسه يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه).
قال سبحانه: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ [محمد: ١٨] أي: فجأة يوم القيامة، وقد عرفنا من الأحاديث أنها تكون يوم الجمعة، لكن أي جمعة؟ لا ندري، وهذه الساعة الكبرى، وأما ساعة أحدنا فتكون قبل هذه الساعة الكبرى.
فهنا قال سبحانه: ﴿َهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ [محمد: ١٨]، وجاء في حديث النبي ﷺ قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين)، وأشار بإصبعيه: السبابة والوسطى، والمعنى: أن المسافة يسيرة بين بعث النبي ﷺ وبين الساعة، ويعدون السنين التي في الدنيا بآلاف السنين، بل يعدونها بالملايين من السنين، والله أعلم بها، والذي بقي من الدنيا وقت قليل، وإذا كان بعث النبي ﷺ وبعثت الساعة معه، فالمعنى: أنه أمر أن يقول للناس وينذر الناس ويبشر الناس، والساعة تليه صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: الساعة قريبة، كما قال الله سبحانه: ﴿لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣].
وقوله: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ [محمد: ١٨] أي: فجأة ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨] أي: علاماتها، وكأنه مأخوذ من الشرط، والشرط: العلامة، ولذلك سميت الشرطة برجال الشرط، من أجل أنهم يلبسون علامات تميزهم عن غيرهم، فالشرطة والشَرَط والشُرَط والشُرْط والأشراط معناها: العلامات.
وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ في أمر الساعة وما يكون من أمر الساعة، وما الذي يحدث قبلها، سواء علامات الساعة الكبرى، أو علامات الساعة الصغرى.