تفسير قوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ [محمد: ١٨ - ٢١].
لما ذكر الله سبحانه تبارك وتعالى أمر الساعة وقال للكفار ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨]، فقد حذر الله سبحانه تبارك وتعالى عباده جميعهم من الحساب يوم الحساب، وإذا جاءت الساعة فهي تأتي بغتة سواءً الساعة الكبرى القيامة، أو ساعة كل إنسان يعني: وقت وفاة كل إنسان، فإذا جاء وقت الوفاة فهو يأتي بغتة، ولا يستطيع العبد أن يراجع نفسه أو يتوب أو يرد المظالم إلى أصحابها، بل لعله لا يقدر على أن يتلفظ بكلمة التوحيد: لا إله إلا الله إذا جاءت ساعته، وذلك حين لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد: ١٨] أي: جاءت أشراط الساعة وقدمنا الأحاديث التي فيها هذا المعنى.
قال الله عز وجل: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾ [محمد: ١٨] أي: من أين لهم؟ وكيف لهم؟ إذا جاءت الساعة وإذا جاءت القيامة وإذا جاء الموت ﴿إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد: ١٨] الذكرى والتذكر والتذكرة، فتنجيهم هذه التذكرة وتنفعهم الذكرى، قال الله عز وجل: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: ٥٥]، ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾ [الأعلى: ٩]، والذكرى لا تنفع في وقتين: وقت القيامة الكبرى، ووقت الوفاة حين تحشرج النفس وتبلغ الروح الحلقوم، فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.
ومعنى قوله تعالى: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد: ١٨]، بمعنى: تذكيرهم بما عملوه من خير أو شر ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ [محمد: ١٨]، فعلى ذلك ربنا يحذر الإنسان من عدم التوبة وتسويفها إلى أن يأتي الموت فلا يقدر على التذكرة.