تفسير قوله تعالى: (أفلم يدبروا القول)
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٦٨]، وهنا ينكر على المشركين وينعي عليهم أين عقولكم؟ هذا القرآن الذي جاء من عند رب العالمين سبحانه، وكانوا يستمعونه ويقولون: إنه كلام جميل، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، فهل كان استماعهم لهذا القرآن العظيم من النبي ﷺ مجرد استماع كالذي يستمع لأغنية فتعجبه ولا ينتبهون لما يقول؟ فهذه مصيبة على من يستمع إلى القرآن على أنه كلام جميل، ولا يتدبر ما فيه، قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون: ٦٨]، أي: أفلا يفهمون هذا الذي يستمعون إليه، ﴿أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٦٨]، (أم) يقولون: إنها منقطعة فيها معنى الإضراب ومعناها: (بل قد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين)، فالمعنى: هؤلاء ما تدبروا، ولو كانوا يتدبرون لفهموا هذا الشيء، ولكن كانوا يستمعون بآذانهم فقط.
(أَمْ جَاءَهُمْ) أي: بل قد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، وهذا سبب الإعراض أنهم قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢]، أي: نحن نفعل ما كان آباؤنا يفعلونه ولن نفعل غير ذلك، فكأن الله عز وجل يقول: (بل قد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين)، فلماذا لا يتدبرون هذا القرآن؟ وقال في الآية الأخرى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: ٨٢]، ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤]، أي: هل على كل قلب قفل أقفل به هذا القلب وأغلق فلا يتدبر القرآن؟


الصفحة التالية
Icon