تفسير قوله تعالى: (حم.
والكتاب المبين؟ إنا أنزلناه في ليلة مباركة)
سورة الدخان سورة مكية، وآيها تسع وخمسون، وقد روي مرفوعاً: (من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك) وهذا الحديث منكر لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الدخان: ١ - ٢] تقدم الكلام مراراً في الحروف المقطعة في أوائل السور.
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ يعني: ليلة القدر التي قدر فيها سبحانه إنزال ذكره الحكيم، وكانت في رمضان، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٨٥].
إذاً: وصف هذه الليلة بأنها أنزل فيها القرآن يفسره قوله عز وجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾، ووصف الليلة بأنها مباركة أيضاً يفسره قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: ١ - ٣]، ولا شك أن كونها خيراً من ألف شهر مظهر من مظاهر هذه البركة، كما أن إنزال القرآن فيها مظهر أيضاً من مظاهر كونها ليلة مباركة.
قال ابن كثير: ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد النجعة؛ فإن نص القرآن أنها في رمضان، وما روي من الآثار في فضل ليلة النصف من شعبان لا تثبت، فهي ما بين مرسل وضعيف، وعلى فرض صحتها فهي لا تفيد أن القرآن نزل فيها، والبركة اليُمن، ولا ريب أنها كانت أبرك ليلة وأيمنها على العالمين، وذلك بتنزيل ما فيه الحكمة والهدى والنجاة من الضلال والردى.
قال القاشاني: ووصفها بالمباركة لظهور الرحمة والبركة والهداية والعدالة في العالم بسببها، وازدياد رتبته ﷺ وكماله بها، كما سماها ليلة القدر؛ لأن قدره وكماله إنما ظهر بها.
قوله: (إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) أي: من خالف مقتضى الحكمة وقوة الدلائل، واختار المذام، وتذلل للهوى، ولم يكتف بهداية الله، ولم يقت روحه بقوت معارفه، وذلك لتقوم حجة الله على عباده.