تفسير قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك وأدبار السجود)
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ [ق: ٣٩ - ٤٠].
وللعلماء كلام فيه تفصيل في قوله: ((وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ))، فمنهم من يرى أنها تشمل الصلوات الخمس، ومنهم من أدخل فيها النوافل.
ولكن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى يقول في هذه الآية: ((وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)): هذا تفسير ما جاء في الأحاديث (من قال كذا وكذا حين يصبح وحين يمسي) أن المراد به قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأن محل هذه الأذكار بعد الصبح وبعد العصر بدليل هذه الآية.
يعني أن لفظ (من قال حين يصبح) ولفظ: (من قال حين يمسي) قد تكرر كثيراً في الأحاديث، وكذلك (كان إذا أصبح قال كذا)، (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت).
فنفهمها في ضوء هذه الآية ((وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ))، فيكون وقت أذكار الصباح قبل طلوع الشمس، أي: بعد صلاة الفجر، فيبدأ أولاً بالفريضة ثم بعد ذلك يأتي بأذكار الصباح ما بين صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، فهذا هو وقتها.
((وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)) هذا هو المساء، أي: بعد صلاة العصر وقبل غروب الشمس.
وهل معنى ذلك أن الإنسان إذا فاتته أذكار الصباح أو المساء بأن طلعت الشمس أو غربت الشمس يكون قد فاته وقتها فلا يستدركها؟
ﷺ لا.
فهذه قلة فقه، بل إذا فاته ورده -مثلاً- حتى غربت الشمس فلا يترك ذلك، وإنما يقضي هذه الأذكار؛ لأنه ما زال في وقت المساء، فالمساء يكون من بعد العصر وهو العشي وأوقات الأصيل، فإذا فاته شيء فإنه يستدركه في الوقت اللاحق في أي جزء من أجزاء الليل؛ لأن الإنسان إذا فرط في قضاء ما فاته فسوف يتمادى في التفريط إلى أن يفرط في أداء العبادة في وقتها، لكن إذا عود نفسه أنه إذا فاته ورده استدركه لم يفرط فيه، فمن تعود على أنه كلما فاته شيء فإنه يعوضه ويقضيه في الفرصة المتاحة، فهذا أجدر أن يحافظ عليه في وقتها، لكن إذا تهاون في قضاء ما فاته فإنه قد يتمادى في التسويف والتفريط إلى أن يضيع العبادة في وقتها نفسه، فلا يأتي بعد ذلك بأذكار الصباح في وقتها، ولا بعد وقتها.
وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢]، أي يخلف أحدهما الآخر، فالليل يخلف النهار والنهار يخلف الليل، فمن فاته عمل الليل فقد جعل الله النهار خلفة له فيعوض ما فاته بالليل، وهكذا.
يقول القاسمي رحمه الله تعالى: ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)) يعني: أعقاب الصلوات، والمراد بالتسبيح إما ظاهره كقولك: سبحان الله وبحمده.
أو هو الصلاة؛ لأن الصلاة يطلق عليها تسبيح، من إطلاق الجزء على الكل، كما تسمى الصلاة ركوعاً، فأحياناً يطلق الجزء على الكل.
فالصلاة قبل الطلوع: الصبح، وقبل الغروب: الظهر والعصر، ومن الليل: العشاءان المغرب والعشاء، والتهجد أيضاً يدخل في ذلك.
وأدبار السجود: النوافل بعد المكتوبات.
هذا على القول بأن التسبيح مقصود به الصلاة، وأنه من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.
وقد يطلق التسبيح على النافلة كما في حديث أن النبي ﷺ صلى المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة، ولم يسبح بينهما شيئاً.
فقوله: (لم يسبح بينهما) يعني: لم يتنفل.
وكذلك قول ابن عمر: (لو كنت مسبحاً لأتممت)؛ لأنه كان لا يصلي النوافل في السفر، فقيل له في ذلك فقال: (لو كنت مسبحاً -أي: لو كنت متنفلاً- لأتممت الصلاة)، أي: فالأولى أن أُتم الفريضة.
ولاشك أن قوله ذلك يقصد به النوافل ما عدا الوتر وركعتي الفجر.