تفسير الشنقيطي لقوله تعالى: (وما ألتناهم من عملهم من شيء)
يقول العلامة الشنقيطي في تفسيرها: ظاهر هذه الآية الكريمة العموم في جميع الناس، وقد بين الله تعالى في آيات أخرى، أن أصحاب اليمين خارجون من هذا العموم، وذلك في قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر: ٣٨] وهذا على تفسير قوله: ((رَهِينَةٌ)) بمعنى حبيسة بما كسبت.
وعلى هذا المعنى فالذي حبس هم كل المجرمين أو الكفار؛ ولذلك استثنى فقال: ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [المدثر: ٣٩ - ٤١]، ومن المعلوم أن التخصيص بيان كما تقرر في الأصول.
وهذا كما قال تعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ [الواقعة: ٣٢ - ٣٣]، وقال أيضاً: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [محمد: ١٥]، وقال: ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [البقرة: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ [الصافات: ٤١ - ٤٢].
أما اللحم المذكور: فوصف بأنه من الطير، قال تعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ [الواقعة: ٢٠ - ٢١]، والإنسان روح وجسد، فكما تتنعم الروح كذلك يتنعم الجسد.
فلا يوجد أي إشكال في هذا، بل بالعكس هذا من أساليب الترغيب التي تتوافق مع الفطرة السليمة، فالإنسان روح وجسد، وكما أن الجسد يتنعم كذلك الروح تتنعم.
ثم قد دلت الأدلة على أن المتاع الروحي لأهل الجنة أعلى بكثير من المتاع الحسي، بدليل قوله تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة: ٧٢]، وبدليل أنهم إذا تجلى لهم الله سبحانه وتعالى وكشف لهم وجهه الكريم في الجنة، فإنهم يتلهون وينسون كل ما هم فيه من النعيم.
واليهود والنصارى في موضوع الجنة أو النار ليس عندهم أي نوع من التفصيل، فمن منة الله سبحانه وتعالى ونعمته علينا أن جعلنا من هذه الأمة التي جاء فيها هذا العلم الوافر من القرآن ومن السنة، وأعلمنا بكثير من الغيبيات التي امتازت الأمة الإسلامية بها على من عداها من الأمم، فجاء التوضيح الشافي لأمور كثيرة من المغيبات بفضل الوحي، فعرفنا تفاصيل ما يحصل في الغيب، وبالذات ما نحن بصدده من الكلام في تفاصيل نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار.


الصفحة التالية
Icon