معنى قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك حين تقوم)
قوله تبارك وتعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] يعني: حين تقوم من منامك.
روى الإمام أحمد والبخاري في صحيحه وأهل السنن عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: (مَن تعارَّ -أي: استيقظ من الليل- فقال -يعني: هذا المستيقظ-: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: رب اغفر لي.
أو قال: ثم دعا، استجيب له)، فهذا دعاء إذا قاله الإنسان ووفق إليه يستجيب الله له دعاءه، بشرط أنه أول ما ينتبه من النوم يتذكر هذا الحديث ويقول هذا الدعاء: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، ثم يقول: رب اغفر لي، أو يدعو أيَّ دعاء، ففي هذه الحالة يستجاب له.
قال صلى الله عليه وسلم: (فإن عزم -أي: نهض من فراشه- فتوضأ ثم صلى قُبلت صلاته).
وورد من أذكار الاستيقاظ من النوم دعاء: (سبحان الله وبحمده، سبحان القدوس، ولا إله إلا أنت سبحانك، اللهم أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)، والحقيقة أن هذا الدعاء بعينه لا نظن أنه ثبت في أحاديث الاستيقاظ من النوم؛ لكن تكفي الأحاديث الأخرى الثابتة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (الحمد الله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره) وهذا يعتبر امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾.
فيمكن أن تكون الآية نفسها دليلاً على أن الإنسان يقول: (سبحانك الله وبحمدك)؛ لأن التعليق هنا جاء بوظيفة القيام: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾، ومن ذلك أيضاً هذا الحديث؛ لأن فيه: (مَن تعارَّ من الليل فقال: وذكر من ضمن ما يقوله: سبحان الله والحمد لله)، وهذا يدخل في امتثال الآية الكريمة.
وأيضاً مما يقال عند القيام من النوم: المعوذتان؛ لأن الرسول عليه السلام قال لـ عقبة بن عامر: (اقرأ بهما إذا نمت، وإذا استيقظت، وإذا أخذت مضجعك).
وقيل في تفسير قوله تبارك وتعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] يعني: حين تقوم إلى الصلاة، روى مسلم في صحيحه عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول في ابتداء الصلاة: (سبحانك الله وبحمدك! وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، وهذا على احتمال أن قوله: ((حِينَ تَقُومُ)) يعني: إلى الصلاة.
وهذا الحديث رواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد رضي الله عنه وغيره عن النبي ﷺ أنه كان يقول ذلك.
وعن مجاهد قال في قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾: حين تقوم من كل مجلس، وكذا قال عطاء وأبو الأحوص، ولعل في هذا التفسير الإشارة إلى الدعاء المشهور في كفارة المجلس، وهو في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه -يعني: اللغو أو الكلام الذي لا يفيد- فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك! أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك) رواه الترمذي وصححه، وكذا الحاكم.
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله ﷺ يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فقال رجل: يا رسول الله! إنك لتقول قولاً ما كنتَ تقوله فيما مضى، فقال صلى الله عليه وسلم: كفارة لما يكون في المجلس) وقد أفرد الحافظ ابن كثير في هذا الحديث جزءاً على حدة، وذكر فيه طرقه وألفاظه وعلله، فرحمه الله.
ولا يخفى أن لفظ الآية يصدق على المواضع المذكورة كلها، وتدل الأحاديث المذكورة على الأخذ بعمومها، فإن السنة بيان للكتاب الكريم.
إذاً: كما بينت هذه الأحاديث الآية: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾، فيدخل في حكم الآية كل ما ثبت في السنة مما يبين هذا التسبيح، فيدخل فيها أولاً حديث: (مَن تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله).
وكذلك يدخل فيها أذكار الاستيقاظ من النوم على أن قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ [الطور: ٤٨] يعني: من النوم عند الاستيقاظ.
وأيضاً قوله: ((حِينَ تَقُومُ)) يعني: إلى الصلاة، وهذا ثابت في أدعية الاستفتاح.
وأيضاً: ((حِينَ تَقُومُ)) يعني: في القيام من المجلس، فيدخل فيها دعاء كفارة المجلس: (سبحانك اللهم وبحمدك) إلخ.


الصفحة التالية
Icon