تفسير قوله تعالى: (واصبر لحكم ربك فإن بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم)
قال تبارك وتعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ [الطور: ٤٨] أي: الذي حكم به عليك وامضِ لأمره ونهيه وبلغ رسالاته.
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: ٤٨] قال ابن جرير: أي: بمرأىً منا نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين.
وقال الشهاب: يعني: أن العين لما كان بها الحفظ والحراسة استعيرت لذلك وللحافظ نفسه، فالحافظ نفسه يسمى عيناً، والحارس يسمى عيناً، وتسمية الحافظ عيناً هو استعمال فصيح مشهور.
والله عز وجل جمع العين هنا فقال: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) وأفردها في قصة الكليم موسى في قوله تعالى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩]، فأفردها في قصة الكليم عليه السلام، وجمعها هنا فقال: (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)، وأضافها إلى ضمير الجمع؛ وذلك لأن الآية هنا مضافة إلى ضمير الجمع: ((فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا))، فناسب أن تأتي أيضاً مجموعة.
ولما كانت في قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ مضافة إلى ضمير الواحد ناسب أن تكون واحدة.
ويوجد معنىً آخر ونكتة أخرى لهذا الجمع هنا، يقول الشهاب: ونكتة جمع العين هنا وإفرادها في قصة الكليم عدا أنه جُمع هنا لما أضيف لضمير الجمع، ووحد ثمة عند إضافته لضمير الواحد؛ هو المبالغة في الحفظ، حتى كأن معه جماعة حفظة له بأعينهم.
إذاً: النكتة هي: بيان المبالغة في حفظ الرسول ﷺ حتى كأن معه جماعة حفظة له بأعينهم، لأن المقصود: تصبير حبيبه على المكايد ومشاق التكاليف والطاعة، فناسب الجمع؛ لأن أفعال الطاعة التي يمتثلها الرسول ﷺ كثيرة، ويحتاج كل منها إلى حارس بل حراس، بخلاف ما ذكر هناك من حفظه لموسى عليه السلام في قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾.


الصفحة التالية
Icon