تفسير قوله تعالى: (أفرأيت الذي تولى ألا تزروازرة وزر أخرى)
قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [النجم: ٣٣ - ٣٨].
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى﴾ [النجم: ٣٣]، يعني: تولى عن الذكر بعد إذ جاءه، كما قال تعالى: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [القيامة: ٣١ - ٣٢].
﴿وَأَعْطَى قَلِيلَاً وَأَكْدَى﴾ أي: قطع العطاء بخلاً وشحاً.
((أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى))، يعني: حتى يراه؟! وحتى يحكم على نفسه بالتزكية والنجاة والفوز؟! ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم: ٣٦ - ٣٧]، أي: بالغ في الوفاء بما عاهد الله عليه، كما قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: ١٢٤].
ثم قال تعالى: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أي: لا تؤاخَذ نفس بذنب غيرها، فكل نفس آثمة فإن إثمها عليها، وهذا كان في صحف إبراهيم عليه السلام، وأيضاً في صحف موسى.
قال ابن جرير رحمه الله تعالى: إنما عنى بقوله: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ الذي ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة.
يعني: كما رُوي أن الوليد بن المغيرة همَّ بالدخول في الإسلام، فأتاه رجل من المشركين عيَّره بذلك وقال: كيف تدخل في الإسلام، وتضل عن دين آبائك وأجدادك؟! ثم ضمن له هذا الرجل المعيِّر أنك إن أعرضت عن الإسلام وأعطيتني من المال كذا وكذا أضمن لك ألا تعذب في الآخرة.
يعني: مثل نظرية (صكوك الغفران).
فقالوا: إن هذا السياق في هذه الآيات هو في هذا الشخص، فقوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلَاً وَأَكْدَى﴾ [النجم: ٣٣ - ٣٤]، أي: حيث أعطاه بعض المال الذي وعده به.
قال ابن جرير: قيل: إن المقصود هو هذا الرجل الذي ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة، يقول: ألم يخبر قائل هذا القول وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب: أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها.


الصفحة التالية
Icon