تفسير قوله تعالى: (آمنوا بالله ورسوله)
قال الله تعالى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: ٧].
قوله تعالى: ((آمنوا بالله ورسوله))، أي: آمنوا الإيمان اليقيني ليظهر أثره عليكم، والخطاب هنا للمؤمنين، وجاء أصرح من ذلك في قوله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النساء: ١٣٦]، فكيف يكونون مؤمنين ثم يخاطبون بالإيمان؟ قال بعض العلماء: إذا قلنا: إنه خطاب للمؤمنين؛ فيكون المراد الثبات على الإيمان إلى الوفاة.
أو كما قال القاسمي رحمه الله تعالى يعني: آمنوا الإيمان اليقيني الكامل الذي يظهر أثره عليكم، فيسهل عليكم الإنفاق من مال الله الذي مولكم إياه.
يعني: فالنفس لا تطاوع الإنسان على أن ينفق النفقة التي يبتغي بها وجه الله سبحانه إلا إذا كان مؤمناً بالله وموقناً بحسن عاقبته وثوابه وجزائه عند الله، فإنه يعرف أن هذا المال ليس غائباً وإنما هو المال الباقي، فما أنفقه الإنسان في سبيل الله هو الذي يبقى له، أما الذي يأكل به ويشرب فهذا هو الذي يضيع منه، يقول الله تعالى عنه: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل: ٩٦]، فالإيمان هو الدافع، أو هو اليقين في ثواب الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يدفع الإنسان إلى النفقة.
ومما يعظم أيضاً شأن النفقة هنا: أن الله سبحانه وتعالى قرن الأمر بالإيمان بالأمر بالإنفاق؛ فدل على فضل النفقة، وعظم موقعها عند الله تبارك وتعالى.
((مما جعلكم مستخلفين فيه))، أي: بتمكينكم وإقداركم على التصرف فيه بحكم الشرع؛ إذ الأموال كلها لله عز وجل، واختصاص نسبة التصرف إنما هو بحكمه في شريعته.
وقال الشهاب: الخلافة إما عمن له التصرف الحقيقي، وهو الله سبحانه وتعالى.
يعني: إما أن المعنى أننا مستخلفون عن المالك الحقيقي للمال، بل لكل ما في السماوات وما في الأرض، وهو الله سبحانه وتعالى.
قال: عمن سبقكم الذين كان المال في أيديهم يتصرفون فيه، ثم آل إليكم بصورة أو بأخرى، إما بالميراث وإما بالهبة أو غيرها من طرق كسب المال المشروعة.
فمعنى الخلافة في قوله تعالى: ((وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)): إما أنها عمن له التصرف الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى؛ وهذا يناسب قوله في أول السورة: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ﴾ [الحديد: ٢]، فالخلافة عن الله الذي له التصرف الحقيقي والذي له ملك السماوات والأرض.
أو يكون المراد: جعلكم مستخلفين عمن تصرف فيها قبلكم ممن كانت في أيديهم فانتقلت إليكم.
وعلى كل ففيه حث على الإنفاق، وتسهيل لأمره؛ لأن طبيعة النفوس أنها تشح في النفقة، كما قال الله: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ﴾ [النساء: ١٢٨]، فالله سبحانه وتعالى يسهل على المؤمنين أمر الإنفاق وأمر الجود بهذا المال، فبين لهم أهمية الإنفاق فربطه بالإيمان: ((آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا))، ليس من مالكم ولكن من مال الله الذي آتاكم، كما قال في آية أخرى: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣].
وموضع العبرة هنا لتسهيل الإنفاق أن هذا المال كما لم يدم في أيدي من قبلكم فلن يدوم في أيديكم، فإما أن ينتقل عنكم وإما أن تنتقلوا عنه، وهنا مما يهون أن ينفق الإنسان المال.
فمن الجهة الأولى إذا قلنا: إن الخلافة عن الله الذي له التصرف الحقيقي والذي له ملك السماوات والأرض، فهذا تسهيل للإنفاق؛ لأن الإنسان إذا أذن له في الإنفاق من ملك غيره، فلا شك أنه يسهل عليه أن يخرج؛ فلو وكلت من قبل شخص وكنت مسئولاً عن خزانة أمواله، فقال لك: أخرجها أنت فيما شئت، وقد أذنت لك بالتصرف فيها كما شئت، فلا شك أنه يسهل عليك الإعطاء حينئذٍ ويسهل عليك تكثير النفقة! وهذه من المعاني النفسية الدفينة في طبيعة الإنسان؛ فانظر كيف يهون الله سبحانه وتعالى على الإنسان الإنفاق! يقول القاسمي رحمه الله تعالى: وعلى كل ففيه حث على الإنفاق وتهوين له، أما على الأول فظاهر؛ لأنه أذن له في الإنفاق من ملك غيره، ومثله يسهل إخراجه وتكثيره.
وأما على الثاني فلأن هذا المعنى يذكر الإنسان أنه ما دام أن المال لم يبق لمن قبله فإنه لا يدوم له أيضاً، فيسهل عليه الإخراج.
وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن ترد الودائع