تفسير قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة)
قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر: ٢٢].
وأخيراً تجيء تلك التسبيحة المجيدة بأسماء الله الحسنى، وكأنما هي أثر من آثار القرآن في كيان الوجود كله، ينطلق بها لسانه، وتتجاوب لها أرجاؤه، وهذه الأسماء واضحة الآثار في صميم هذا الوجود، وفي حركته وظواهره، فهو إذ يسبح بها يشهد كذلك بآثارها، ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر: ٢٢].
ولكل اسم من هذه الأسماء الحسنى أثر في هذا الكون ملحوظ، وأثر في حياة البشر ملموس، فهي توحي إلى القلب بفاعلية هذه الأسماء والصفات، فاعلية ذات أثر وعلاقة بالناس والأحياء، وليست هي صفات سلبية أو منعزلة عن كيان هذا الوجود وأحواله وظواهره المصاحبة لوجوده.
((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ))، فتقرر في الضمير وحدانية الاعتقاد، ووحدانية العبادة، ووحدانية الاتجاه، ووحدانية الفاعلية من مبدأ الخلق إلى منتهاه، ويقوم على هذه الوحدانية منهج كامل في التفسير، والشعور، والسلوك، وارتباطات الناس بالكون وبسائر الأحياء، وارتباطات الناس بعضهم ببعض.
((عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)) فيستقر في الضمير الشعور بعلم الله للظاهر والمستور، ومن ثَم تستيقظ مراقبة هذا الضمير لله في السر والعلانية، ويعمل الإنسان كل ما يعمل بشعور المراقَب من الله المراقِب لله، ويتكيف سلوكه بهذا الشعور الذي لا يغفل بعده قلب ولا ينام.
((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) فيستقر في الضمير شعور الطمأنينة لرحمة الله والاسترواح، ويتعادل الخوف والرجاء، والفزع والطمأنينة، فالله في عقيدة المؤمن لا يطارد عباده ولكنه يراقبهم، وهو لا يريد الشر بهم بل يحب الهدى، ولا يتركهم بلا عون وهم يصارعون الشرور والأهواء.