تفسير قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن)
﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: ٢٣].
قال الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾، فيعيدها في أول التسبيحة الثانية؛ لأنها القاعدة التي تقوم عليها سائر الصفات، ((الْمَلِكُ)) فيستقر في الضمير أن لا مُلك إلا لله الذي لا إله إلا هو، وإذا توحدت الملكية لم يبقَ للمملوكين إلا سيد واحد يتجهون إليه، ولا يخدمون غيره، فالرجل لا يخدم سيّدين في وقت واحد، ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ [الأحزاب: ٤].
((الْقُدُّوسُ)) وهو اسم يشع القداسة المطلقة، والطهارة المطلقة، ويُلقي في ضمير المؤمن هذا الإشعاع الطهور، فينظف قلبه ويطهره؛ ليصبح صالحاً لتلقي قيود الملك القدوس، والتسبيح له والتقديس.
((السَّلامُ)) وهو اسم كذلك يشيع السلام والأمن والطمأنينة في جنبات الوجود، وفي قلب المؤمن تجاه ربه؛ فهو آمن في جواره، سالم في كنفه، وحيال هذا الوجود وأهله من الأحياء والأشياء، ويعود القلب من هذا الاسم بالسلام والراحة والاطمئنان وقد هدأت شرّته، وسكن بلباله، وجنح إلى الموادعة والسلام.
((الْمُؤْمِنُ)) واهب الأمن وواهب الإيمان، ولفظ هذا الاسم يشعر القلب بقيمة الإيمان حيث يلتقي فيه بالله، لأن المؤمن يسمى مؤمناً، والله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى المؤمن، ويتصف بإحدى صفات الله، ويرتفع إلى الملأ الأعلى بصفة الإيمان.
((﴿الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ﴾ صفات تتعلق مجردة بذات الله، وأما هذه فتتعلق بذات الله فاعلة في الكون والناس، وتوحي بالسلطان والرقابة، كذلك ﴿الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ فهي صفات توحي بالقهر والغلبة والجبروت والاستعلاء، فلا عزيز إلا هو، ولا جبار إلا هو، ولا متكبر إلا هو، ولا يشاركه أحد في صفاته هذه، ولا يتصف بها سواه، فهو المنفرد بها بلا شريك.
ومن ثَم يجيء ختام الآية: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: ٢٣].