تفسير قوله تعالى: (هو الله الخالق البارئ المصور)
قال الله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٤].
ثم يبدأ المقطع الأخير في التسبيحة المجيدة ((هُوَ اللَّهُ))، فهي الألوهية الواحدة، وليس غيره بإله، ﴿الْخَالِقُ الْبَارِئُ﴾، الخلق هو التصميم والتقدير، والبرء هو التنفيذ والإخراج، فهما صفتان متصلتان، والفارق بينهما لطيف دقيق.
قوله: ﴿الْمُصَوِّرُ﴾، وهي صفة مرتبطة بالصفتين قبلها، ومعناها إعطاء الملامح المتميزة والسمات التي تمنح لكل شيء شخصيته الخاصة، وتوالي هذه الصفات المترابطة اللطيفة الفروق يستجيش القلب لمتابعة عملية الخلق والإنشاء والإيجاد والإخراج مرحلةً مرحلةً، حسب التطور الإنساني، فأما في عالم الحقيقة فليست هناك مراحل ولا خطوات، وما نعرفه عن مدلول هذه الصفات ليس هو حقيقتها المطلقة، فهذه لا يعرفها إلا الله، وإنما ندرك شيئاً من آثارها، فهو الذي نعرفها به في حدود طاقتنا الصغيرة، ﴿لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أي: الحسنى في ذاتها بلا حاجة إلى استحسان من الخلق، ولا توقف على استحسانهم.
والحسنى هي التي توحي بالحسن للقلوب وتفيضه عليها، وهي الأسماء التي يتدربها المؤمن ليصوغ نفسه وفق إيحائها واتجاهها؛ إذ يعلم أن الله يحب له أن يتصف به، وأن يتدرج في مراقيه وهو يتطلع إليها.
وخاتمة هذه التسبيحة المجيدة بهذه الأسماء الحسنى، والسفحة البعيدة مع مدلولاتها الموحية وفي فيوضاتها العديدة هي مشهد التسبيح لله يشيع في جنبات الوجود، وينبعث من كل موجود، ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٤] وهو مشهد يتوقعه القلب بعد ذكر تلك الأسماء، ويشارك فيه مع الأشياء والأحياء، كما يتلاقى فيه المطلع والختام، في تناسق والتئام، وهذا من باب رد العجز على الصدر، ففي الأول السورة: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ١] وفي آخرها: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الحشر: ٢٤].
فهذا أنموذج من خصائص (الظلال)؛ وهو الاهتمام بموضوع الوحدة الموضوعية، ويعتبر هذا المرجع أفضل مرجع تقريباً في جانب موضوع الوحدة الموضوعية لسور القرآن الكريم وآياته.
يقول القاسمي رحمه الله تعالى: ثم أشار تعالى إلى أنه كيف يترك الخشوع لذات الله وأسمائه مع أنه ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) أي: المعبود التي لا تنبغي العبادة والألوهية إلا له.
وقوله: ((عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)) أي: ما غاب عن الحس وما شوهد، ((هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) أي: المنعم بالنعم العامة والخاصة، ومن كان مطلعاً على الأسرار يحب أن يُخشع له، ويخشى منه لاسيما من حيث كونه منعماً، إذ حق المنعم أن يخشع له، ويخشى أن تسلب نعمه.
قوله: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ﴾ [الحشر: ٢٣] أي: الغني المطلق الذي يحتاج إليه كل شيء، المدبر للكل في تركيب نظام لا أكمل منه، ((الْقُدُّوسُ)) [الحشر: ٢٣] أي: المنزه عما لا يليق بجلاله تنزهاً بليغاً، ((السَّلامُ)) قيل: هو ذو السلامة من كل عيب ونقص، وذو السلامة أي: سلم الخلق من ظلمه، أو السلام: المسلِّم على عباده في الجنة، وذلك إشارة إلى قوله تعالى ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨].
يقول القاسمي: ((السَّلامُ)) أي: الذي يسلم خلقه من ظلمه، أو السلام المبرأ عن النقائص كالعجز، ((الْمُؤْمِنُ)) أي: لأهل اليقين بإنزال السكنية، ومن فزع الآخرة، أي: أنه يؤمنهم، ﴿الْمُهَيْمِنُ﴾ أي: الرقيب على كل شيء باطلاعه واستيلاءه وحفظه، ((الْعَزِيزُ)) أي: القوي الذي يغلب ولا يغلب، ((الْجَبَّارُ)) أي: الذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، والذي لا يخرج أحد عن قبضته عز وجل.
وفي هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية: وكذلك الجبار من أوصافه والجبر في أوصافه قسمان جبر الضعيف وكل قلب قد غدا ذا كثرة فالجبر منه دان والثاني جبر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من إنسان وله مسمى ثالث وهو العلـ وفليس يدنو منه من إنسان من قولهم جبارة للنخلة ال عليا التي فاتت لكل بنان