تفسير قوله تعالى: (الذي خلق سبع سماوات طباقاً)
قال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ [الملك: ٣].
قوله: (الذي خلق سبع سموات طباقاً) قال ابن جرير: طبقاً فوق طبق بعضها فوق بعض.
وقال بعض علماء الفلك: اعلم أن لفظ السماء يطلق لغة على كل ما علا الإنسان.
فالسماء من السمو وهو العلو، فسقف البيت سماء، ومنه قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ [الحج: ١٥] فقوله: (فليمدد بسبب) أي: يمدد بحبل إلى سقف بيته.
أما قول علماء الفلك: وهذا الفضاء اللانهائي سماء، فهم لا يدققون في ألفاظهم، فهو في الحقيقة ليس فضاء بل هو مليء بالملائكة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما فيها موضع شبر إلا وملك ساجد يسبح الله تبارك وتعالى).
وقولهم: وهذا الفضاء اللانهائي سماء! فيه نوع من التجاوز؛ لأنه ما دام مخلوقاً فله حد وله نهائية وله غاية، وليس ممتداً إلى ما لا نهاية، فهذا كلام من يطلق الكلام دون أي حساب.
يقول ابن جرير: ومنه قوله تعالى: ﴿كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: ٢٤].
ومنه قوله تعالى: ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الأنعام: ٩٩] السماء هنا هو السحاب.
كذلك تسمى الكواكب سماء؛ لأنها تعلونا.
إذاً: سقف الحجرة سماء، والسحاب سماء، والكواكب سماء، وما يسمى بالفضاء إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى يطلق عليه سماء.
يقول القاسمي: والكواكب سموات، تلاحظون أن في أيام القاسمي لم يكن قد حصل تقدم علمي كالذي وصلوا إليه الآن من اكتشاف الأفلاك، فبعضهم كان يزعم أن السماوات السبع هي الكواكب السبعة السيارة! يقول: وهي طباق بعضها فوق بعض؛ لأن فلك كل منها فوق فلك غيره، ومعنى هذا القول في قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ﴾ [الصافات: ٦ - ٧] فواضح من هذا أن السماء الدنيا هي التي فيها هذه الكواكب؛ لأن السماء الدنيا هي فقط التي نراها الآن والتي فيها هذه الكواكب، أما بقية السماوات السبع الأخرى فإننا لا ندرك ما فيها.
قوله: ((مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)) [الملك: ٣] أي: تخالف وعدم تناسب في رعاية الحكمة، بل راعاها في كل خلقه.
قوله: ((فَارْجِعِ الْبَصَرَ)) يعني: إن شككت فكرر النظر.
قوله: ((هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ)) أي: من خلل.
وأصل الفطور الصدوع والشقوق أريد به لازمه كذا قالوا، والصحيح أنه على حقيقته، فمعنى قوله: ((هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ)) أي: هل ترى من انشقاق وانفطار بين السماوات، بحيث تذهب من هذا الانشقاق، وتقطع علاقاتها وأحبال سببها؟ كلا، بل هي متماسكة، ومرتبط بعضها ببعض من كل جهة، كما تقدم في سورة (ق) في قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: ٦]، وهذا يفسر قوله هنا: ((فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ)).
وقرأها حمزة والكسائي: (ما ترى في خلق الرحمن من تفوّت).