تفسير قوله تعالى: (ذرني ومن خلقت وحيداً ثم يطمع أن أزيد)
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾ [المدثر: ١١ - ١٥].
﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾، أي: لا مال له ولا ولد، وقد كنت قرأت منذ زمن أن (وحيداً) لقب من ألقاب الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه، وهو من رءوس الكفر في قريش، وقد كان يلقب بريحانة قريش، وكان يلقب بالوحيد، أي: المتفرد.
أما هنا فقال القاسمي: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: ١١]، يعني: في أول أمره وفي مبدأ أمره كان وحيداً بلا مال ولا ولد.
﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا﴾، أي: ثم بعد ذلك أنعمت عليه وجعلت له مالاً ممدوداً أي: مبسوطاً كثيراً، أو ممدوداً بالنماء.
﴿وَبَنِينَ شُهُودًا﴾، يعني: رجالاً يشهدون معه المحافل والمجامع، أو حضوراً معه يأنس بهم لا يحوجه سفرهم وركوبهم الأخطار لاستغنائهم عن التكسب.
وهذه من النعم التي أنعم الله بها على الوليد بن المغيرة، فبعدما كان وحيداً لا مال له ولا ولد امتن الله عليه بالمال الممدود وبالبنين الحاضرين غير المسافرين؛ لأنهم لعزتهم وغناهم وثروتهم لا يحتاجون إلى أن يفارقوا أباهم بحثاً عن الرزق والربح.
﴿وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا﴾، أي: بسطت له في العيش والجاه والرياسة.
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ﴾ [المدثر: ١٥] يعني: يطمع الزيادة من المال والولد والجاه، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، وفي الحديث: (منهومان لا يشبعان: طالب العلم، وطالب الدنيا)، فطالب العلم مهما تجرع من العلم لا يشبع، وطالب الدنيا مهما أعطي من الدنيا لا يشبع، الإنسان أحياناً يستغرب من أناس بسطت عليهم الدنيا، ومع ذلك فهم في أشد الحرص على الاستكثار من المال والزيادة؛ لأن من طبيعة الإنسان الحرص والجري وراء الدنيا، فيصبح كالذي يشرب من البحر وكلما شرب ازداد عطشاً، فهذه إشارة إلى هذا الميل إلى الدنيا، وأن ابن آدم لا يملأ جوفه إلا التراب: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقيل: المعنى أنه يطمع أن أزيده نعيماً وقوة، وأدخله الجنة أيضاً على كفره.
وهذا التفسير أظهر في بدليل قوله تعالى بعده: ﴿كَلَّا﴾ [المدثر: ١٦] أي: لا يكون ما يؤمله ويرجوه؛ لأن الجدير بالزيادة من نعيم الآخرة هم المتقون وليس هو منهم، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)، فهو ينعم في الدنيا لكن في الآخرة لا نصيب له ولا خلاق.