تفسير قوله تعالى: (قم فأنذر)
قال تعالى: ﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ [المدثر: ٢].
أي: قم من مضجعك ودثارك، أو قم قيام عزم وجد؛ لأن القيام يعبر به أحياناً عن ذلك.
فمن الأولى قوله: ﴿إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الكهف: ١٤].
ومن الثاني قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ [سبأ: ٤٦].
والمعنى: فحذر قومك من العذاب إن لم يؤمنوا.
قال الشهاب: ((قُمْ فَأَنذِرْ))، ولم يقل: وبشر؛ لأنه كان في ابتداء النبوة، لأن البشارة لمن آمن ولم يكن إذ ذاك مؤمن.
أو هو اكتفاء، فنقول في التفسير: قم فأنذر الكافرين وبشر المؤمنين، لكن اكتفى بهذا عن ذاك كما في قوله تعالى: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أي: سرابيل تقيكم الحر والبرد.
يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى في تتمة أضواء البيان: قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ﴾ [المدثر: ١ - ٢]، الإنذار: إعلام بتخويف، فهو أخص من مطلق الإعلان، وهو متعد لمفعولين: المفعول الأول: هو المنذَر.
والمفعول الثاني: المنذَر به.
أما المنذَر فبينت آيات أخرى أن المراد الكافرين، كما قال تعالى: ﴿وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا﴾ [مريم: ٩٧]، تخويفاً لهم، وقد يكون للمؤمنين لأنهم هم الذين ينتفعون بهذا الإنذار، فيأتي الإنذار للكافرين باعتبار أنه تخويف لهم وترهيب حتى يعودوا إلى رشدهم ويرجعوا إلى الإيمان، وقد يأتي الإنذار للمؤمنين كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ [يس: ١١]، فهنا قصر الإنذار على المؤمنين، لأنهم هم الذين ينتفعون بالإنذار.
وقد يكون للجميع كما قال تعالى: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يونس: ٢] إلى آخر الآية.
أما المنذر به فهو ما يكون من أهوال يوم القيامة، ولذلك قال ابن جرير: ((قُمْ فَأَنذِرْ))، عذاب الله قومك الذين أشركوا بالله وعبدوا غيره.


الصفحة التالية
Icon