تفسير قوله تعالى: (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين نضرة النعيم)
يقول الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ١٨ - ٢٤].
((كلا)) هذا ردع عن التكذيب، أو بمعنى حقاً.
قوله: ((إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ)) أي: ما كتب من صور أعمال السعداء في عليين، وهو مقابل للسجين في علوه وارتفاع درجته، وكونه ديوان أعمال أهل الخير، كما قال تعالى: ((وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ)) ((كِتَابٌ مَرْقُومٌ)) أي: محل شريف رسم بصور أعمالهم.
((يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)) أي: يحفه المقربون من حضرة ذي الجلال كما في قوله تعالى: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٥]، والمقربون هم الأبرار، وأعاد ذكرهم بوصف ثانٍ؛ تنويهاً بهم وتعديداً لصفاتهم.
أو المقربون: هم الملائكة؛ إجلالاً لهم وتعظيماً لشأنهم.
وبعد أن عظم تعالى كتاب الأبرار أتبع ذلك بتعظيم منزلتهم بقوله سبحانه: ((إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)) ((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُون)) ((تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ)).
قوله: ((إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)) أي: عظيم دائم، وليس نعيمهم في انحلال.
((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ)) أي: على الأسرة ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة وأفانين النعيم.
((تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ)) أي: بهجته ورونقه كما يرى على وجوه المترفين ماؤه وحسنه.
وكان ينبغي أن يزيد القاسمي الإشارة إلى أن نضره النعيم إنما هي أثر من آثار رؤية الله تبارك وتعالى، كما ذكر جماعة من المفسرين.
قوله: ((عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ)) يعني: ينظرون إلى وجه الله سبحانه وتعالى في جنات الرضوان، لأنه إذا وصف الفجار بأنهم محجوبون؛ فإن ذلك يستلزم أن يوصف الأبرار بأنهم غير محجوبين؛ لأنهم يرون الله سبحانه وتعالى، ولذلك هذه الآيات مما استدل به على رؤية الله تبارك وتعالى لأهل الجنة.