تفسير قوله تعالى: (يسقون من رحيق مختوم)
يقول الله تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ [المطففين: ٢٥]: (من رحيق)، أي: خمراً، إلا أنه خص بالخالص الذي لا رجس فيه، كما قال حسان: يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل.
ومنه قولهم: مسك رحيق لا غش فيه، وحسب رحيق لا شوب فيه.
قوله: (مختوم) أي: ختم على أوانيه تكريماً له لصيانته عن أن تمسه الأيدي، على ما جرى فيه العادة من ختم ما يكرم ويصان.
الختم هنا كما يفهم من كلام العلماء مثل غطاء الزجاجة مثلاً، وهو ما يختم به عليها كي تحفظ، فكذلك قوله: ((يسقون من رحيق مختوم)) يعني: مختوماً على أوانيه كي لا تتعرض للتلف، ولا تمسها الأيدي كي تكرم.
قوله تعالى: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ [المطففين: ٢٦].
قال: القفال: الذي يختم به رأس قارورة، ذلك الرحيق هو المسك.
فكأن ذلك المسك رطب ينطبع فيه الخاتم.
ومن المسك ما يكون صلباً وليس سائلاً، فكأن هذا هو الذي يختم به على رأس تلك القوارير.
وعن بعض السلف واللغويين: المختوم هو الذي له ختام، يعني: عاقبة.
وقد فسر قوله تعالى: ((ختامه مسك)) أي: من شربه كان ختم شربه على ريح المسك.
يعني: يشرب من هذا الرحيق، فآخر شيء يشربه من داخل هذا الرحيق يكون المسك.
والقصد هو اللذة وزكاء الرائحة، على خلاف خمر الدنيا الخبيثة الطعم والرائحة، فهنا وصف لخمر الجنة بالصفات التي تشيع في القرآن الكريم من كونها شراباً طهوراً طيب الطعم والريح؛ لأن ختامه مسك.
وإذا ذكر أي شيء من نعيم الجنة فالقاعدة كما ذكرناها مراراً: أنه ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء فقط، أما الحقيقة فلا يمكن للإنسان مهما اجتهد أن يتخيل حقيقة نعيم أهل الجنة، فإذا قلنا: (ختامه مسك)، فلا يتخيل أنه نفس مسك الدنيا، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أطيب الطيب المسك)، فهذا تشابه في الاسم فقط؛ لكنه لا شك أنه يتفاوت تفاوتاً عظيماً.