تفسير قوله تعالى: (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون لرب العالمين)
﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُون * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ٤ - ٦].
يقول الله سبحانه متوعداً لهم: ((أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ)) يعني: من قبورهم بعد مماتهم.
((لِيَوْمٍ عَظِيمٍ)) أي: عظيم الهول جليل الخطب كثير الفزع، من خسر فيه أدخل ناراً حامية.
((يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) أي: لأمره وقضائه فيهم بما يستحقون، في موقف يغشى العبد فيه من الهول ما يود الافتداء بكل مستطاع.
وفي تأكد الويل للمطففين بما ذكر في هاتين الآيتين مبالغة في المنع عن التطفيف وتعظيم حرمه؛ لأنه بعدما ذكر أحوالهم: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: ٢ - ٣] قال: ﴿أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ٥ - ٦]، مع اسم الإشارة الدالة على التبعيد ((أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ)) أي: البعداء الذين هم بعيدون؛ تحقيراً لهم.
وقوله: ((لِيَوْمٍ عَظِيمٍ)) فيه وصف يوم القيامة بالعظمة أيضاً.
وقوله: ((يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) هذا يدل على استعظام ما استسصغروه، يعني: هم يستصغرون هذا اليوم لكنه عظيم.
وقوله تعالى: ((يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) فعنوان رب العالمين المالكية والتربية، لأنه هو الذي يملكهم وهو الذي يربيهم، الدال على أنه لا يفوته ظالم قوي، ولا يترك حق مظلوم ضعيف، واقتضت حكمته ألا يهمل مثقال ذرة من خير أو شر.
وفي تعظيم أمر التطفيف إيماء إلى العدل وميزانه، وأن من لا يهمل مثل هذا كيف يهمل تعطيل قانون عدله في عباده؟! وناهيك بأنه وصفهم بصفات الكفرة، فتأمل هذا المقام ففيه ما تتحير فيه الأفهام.
يعني: وصفهم بصفة الكفرة بقوله: ((أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ)) أي: إن كانوا من المسلمين المصدقين فقد تشبهوا بمن لا يؤمن بيوم الحساب ولا بالبعث والنشور، ولو كانوا يؤمنون لاتقوا الله وخشوا حسابه على هذا التطفيف؛ لأن الكافر الذي لا يؤمن بيوم الحساب لا يبالي بأكل أموال الناس.