تفسير قوله تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم)
يقول الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ﴾ [المطففين: ١٥ - ١٦]: قال ابن جرير: فلا يرونه ولا يرون شيئاً من كرامته يصل إليهم، فهم محجوبون عن رؤيته وعن كرامته.
أي: فهم محجوبون عن رؤية الله تبارك وتعالى التي ينعم بها المؤمنون، ومحجوبون عن كرامة الله أن تصل إليهم.
وتخصيص الحجب بهؤلاء يقتضي أن غيرهم غير محجوب، فيراه تعالى ويرى كرامته، وهؤلاء هم المؤمنون.
قال الشهاب: لما كان الحجاب هو الساتر من طرف بيت وغيره استعير تارة لعدم الرؤية؛ لأن المحجوب لا يرى ما حجب، وتارة للإهانة؛ لأن الحقير يحجب ويمنع من الدخول على الرؤساء، ولذا قالت العرب: الناس ما بين مرحوب ومحجوب.
مرحوب: أي مكرم ومرحب به.
محجوب يعني: مهان.
ونلاحظ هنا أن وصف المحجوبية إنما هو وصف للمخلوقين وليس وصفاً لله تبارك وتعالى.
قوله: ((ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ))، أي: محترقون بها؛ لأن صال بمعنى دخل، أي: دخل الجحيم ليعذب فيها ويحترق بها.
وقد أشار القاشاني إلى سر ترادف هذه الجمل الكريمة، وهو أن ما اكتسبوه من الذنوب لما صار كالطبع على قلوبهم من الرسوخ فيها كدر جوهرها وغيرها عن طباعها، فعندها تحقق الحجاب، وانغلق باب المغفرة، ولذلك قال: ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ)) لامتناع قبول قلوبهم للنور.
أي: أن قلوبهم لا يصل إليها النور بسبب هذه الحجب وهذا الران الذي جاء بسبب إصرارهم على المعاصي.
يقول: وامتناع عودها إلى الصفاء الأول الفطري، كالماء الكبريتي مثلاً، إذ لو صعد لما رجع إلى الطبيعة المائية المبردة لاستحالة جوهرها، بخلاف الماء الساخن الذي استحالت كيفيته دون طبيعته.
يعني: كأنه يشير إلى أن بعض المواد تتغير صفاتها الفيزيائية بالبرودة وبالحرارة، فالماء مثلاً يكون بارداً ويكون ساخناً؛ لكن جوهره لا زال كما هو، بخلاف ما لو حصل تفاعل كيميائي للماء فتتغير مكوناته، فكذلك هؤلاء الكفار، لم يكن التغير مجرد مظاهر قابلة للتغير، بل حصل تغير في جوهرهم وطبيعتهم؛ ولذلك استحقوا الخلود في العذاب، وحكم عليهم بقوله: ((ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ)).