تفسير قوله تعالى: (تصلى ناراً حامية لا يسمن ولا يغني من جوع)
قال تعالى: ﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ [الغاشية: ٤] أي: تدخل ناراً متناهية في الحرارة.
﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ [الغاشية: ٥] آنية: أي بلغت غايتها في شدة الحر، فذكر أولاً الشراب، وقوله: (تُسقى) إشارة إلى أنه لا يقبل هو أن يشرب، ولكنه يُسقى رغماً عنه، ولا يستطيع أن يمتنع.
﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ [الغاشية: ٦] الضريع: هو نوع من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطباً، فإذا يبس تحامته -أي: تجنّبته-، وهو سُمُّ قاتل.
قال ابن جرير: الضريع عند العرب نبت يقال له: الشبرق، ويسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس.
ولا منافاة بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٦]؛ لأن العذاب ألوان، والمعذبون طبقات، فمنهم: أكلة الغسلين، ومنهم: أكلة الضريع عافانا الله وإياكم.
وقيل: الضريع أُريدَ به طعام مكروه حتى للإبل التي تتميز برعي الشوك، فلا ينافي كونه زقوماً أو غسليناً، فيكون الضريع كناية عن الطعام المكروه الذي تعافه الإبل رغم أنها تمتاز برعي الشوك، فليس لهم طعام إلا هذا الشيء المكروه، وهذا يناسب كونه زقوماً أو غسليناً.
﴿لا يُسْمِنُ﴾ [الغاشية: ٧] أي: لا يسمن بدن الآكل، ﴿وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ [الغاشية: ٧] أي: لا يسكّن داعي النفس ونهمها، فيظلون يتعذبون بالجوع والعطش، فلا الشراب يرويهم، ولا الطعام يشبعهم، وهذا نوع من أنواع العذاب أيضاً والعياذ بالله.
وإذا صرخوا وطلبوا السقيا فكما قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ﴾ [الكهف: ٢٩] أي: إذا اقتربوا منه ليشربوا شوى وجوههم لقوة حرارته!! فما بالك إذا شربوا منه؟! قال تعالى: ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥]، نسأل الله العافية! فما أقوى هذا الكلام وما أشد تأثيره، ولكنها الغفلة التي تُخيّم على القلوب، وتحول بينها وبين الانتفاع بكلام الله تبارك وتعالى.