تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناعمة وزرابي مبثوثة)
قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ [الغاشية: ٨] بمعنى: أنها متنعمة بين النعيم، خلافاً لحُسن المنظر المحروم من التنعم، مثل أن نقول: فلان يعيش حياة ناعمة، أي: متنعمة في نعيم ورفاهية، أو أن المقصود بقوله: (ناعمة) من النعومة أي: وجوه أهل الجنة ذات حُسْن -إذ ليس في وجوههم لحى-.
﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ [الغاشية: ٩] أي: لعملها الذي عملته في الدنيا، وحزمها في طريق الجد، واكتساب الفضائل، فهي شاكرة لا تندم ولا تتحسر، فيقول أحدهم عند أخذه الكتاب باليمين: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ [الحاقة: ١٩] فهو في غاية الفخر، لماذا؟ يقول: ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢٠ - ٢٢].
فقوله هنا: ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ أي: للسعي الذي عملته في الدنيا راضية، ويحمدون الله أن وفقهم للعمل الصالح في الدنيا، وأن هداهم للإيمان وسائر أنواع البر، بخلاف الذي يقول: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٥ - ٢٩].
قوله: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ [الغاشية: ١٠] أي: مرتفعة في المحل أو رفيعة القدر، فقوله: (عالية): إما علو القدر والمكانة، وإما علو المكان، ولا تعارض بين الصفتين، فالجنة عالية القدر، وهي أيضاً عالية في المكان والمحل.
﴿لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً﴾ [الغاشية: ١١] أي: لغواً، أو كلمة ذات لغو، أو نفساً تلغو؛ لأن كلامهم فيه الحشمة والعلو، والتسبيح والتحميد.
﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ [الغاشية: ١٢] أي: لا انقطاع لها.
﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ [الغاشية: ١٣] أي: مرتفعة؛ لأن السرر إذا كانت مرتفعة يتمكنون من رؤية جميع ما حولهم من النعيم.
﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾ [الغاشية: ١٤] الأكواب: جمع كوب، وهو الإناء الذي لا أذن له، (مَوْضُوعَةٌ)، أي: بين أيديهم لا يعجزهم أخذها، فهي موضوعة ومهيأة أمامهم، فلا يذهبون للبحث عنها وإحضارها.
﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾ [الغاشية: ١٥] النمارق: الوسائد، مصفوفة: صف بعضها إلى جانب بعض فوق الأسِرّة أو في الجوانب للاستناد إليها.
﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ [الغاشية: ١٦] الزرابي: البُسط والطنافس، ((مَبْثُوثَةٌ)) يعني: مفروشة.


الصفحة التالية
Icon