تفسير قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة)
قال تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد: ١٤] يعني: إطعام في يوم مجاعة.
وإطعام مصدر، مفعوله يتيماً، أي: إطعام يتيماً، ﴿يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٥] يعني: ذا قرابة، وهذا حض على تقديم ذوي النسب والقربى المحتاجين على الأجانب في الإطعام؛ لأن الصدقة على المسكين صدقة، أما الصدقة على القريب فهي صدقة وصلة، وثوابها أكثر؛ لأنها صدقة من جهة، وصلة رحم من الجهة الأخرى، وهذه الآية يفهم منها أن الإحسان إلى القريب المحتاج أولى وأفضل وثوابه أعظم من الإحسان لغير القريب.
وقيل: المقربة هنا غير مأخوذة من القرابة والقربى، بل من القرب، والقرب: هو الخاصرة، فكأن المعنى: أنه يطعم من خاصرته لصقت من شدة الجوع والضر، وهذا أشبه بقوله تعالى: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)، والآية تحتمل أنه من ذوي القرابة، وتحتمل التفسير الآخر؛ لأن كل ذلك مبالغة في وصفه بالقرب.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٦] أي: ذا فقر شديد لا يواريه إلا التراب، يقال: ترب يعني: لصق بالتراب، ويقال: الفقر المدقع أو فقير مدقع بمعنى: لاصق بالدقعاء وهي: التراب، فالفقر المدقع الذي يلصق صاحبه بالتراب.
وذهب الأكثرون إلى أن (لا) نافية في قوله تعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ﴾ [البلد: ١١]، وإنما لم تكرر مع أن العرب لا تكاد تفردها كما في آية: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى﴾ [القيامة: ٣١] وكقوله تعالى: ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: ٣٨]؛ وكما تقول: لا في العير ولا في النفير، استغناء بدلالة بقية الكلام على تكراره، فسياق الكلام يفيد تكرارها؛ لأن التقدير: لا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً.
وفي الآية أجوبة أخرى منها أنه لما عطف عليه كان هو منفي أيضاً، فكأنها كررت، وقيل: لا للدعاء، كما تقول: فلان لا نجا ولا سلم، يعني: أسأل الله ألا يسلمه ولا ينجيه، وقيل: أصلها ألا للتحضيض، وقيل: إنها للنفي فيما يستقبل، وقال بعضهم: قولهم: (لا) إذا دخلت على الماضي وجب تكرارها؛ قول لا يلتفت إليه؛ لأن القرآن نفسه حجة في الفصاحة، ولم تتكرر (لا) في هذه الآية، وقد ورد في كلامهم عدم تكرارها.


الصفحة التالية
Icon