تفسير قوله تعالى: (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها)
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا﴾ [الشمس: ١ - ٢].
قوله: (وضحاها): وضوئها إذا أشرقت، قال الراغب: الضحى: انبساط الشمس وامتداد النهار، وبه سمي وقت الضحى.
قال الألوسي: وحقيقته تباعد الشمس عن الأفق المرئي وبروزها للناظرين، ثم صار حقيقة في وقته، يعني: هذا الوقت الذي تصعد الشمس فيه عن الأفق وتبرز للناظرين هو وقت الضحى.
ويقسم الله سبحانه وتعالى بالشمس نفسها إذا ظهرت أو غابت لأنها خلق عظيم، قال الله هنا: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) فالله سبحانه وتعالى يقسم بالشمس في حد ذاتها سواءً كانت ظاهرة أو كانت بعد الغروب؛ لأنها في حد ذاتها آية من آيات الله تبارك وتعالى.
وهذه الشمس هي أكبر من الأرض بمليون مرة! ثم أقسم الله بضوئها فقال: (وَضُحَاهَا) أي: وضوئها؛ لأنه سبب الحياة ومصدر الهداية في الأرض، وهل سترى أحداً لولا ضياء الشمس؟! وهذه الشمس قد سماها الله آية النهار فقال: ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ١٢]، وهي آية من آياته وعجيبة من عجائب خلقه سبحانه وتعالى.
والشمس لها ارتباط وثيق جداً بالحياة على وجه الأرض، فأي تعديل في وضعها عن الوضع الحالي تتأثر منه الحياة تماماً، فلو اقتربت قليلاً أو بعدت أكثر، فهذا يفني الحياة على وجه الأرض تماماً، فالمسافة بيننا وبين الشمس (٩٣) مليون ميل! وهي سبب أساسي جداً من أسباب الحياة، ولا حياة في الأرض بدون الشمس؛ لأن الله سبحانه وتعالى ضبطها على وضع معين، وارتباط الشمس بالأرض له تأثير كفيل جداً ببقاء الحياة على وجه الأرض.
قوله: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا﴾ أي: والقمر إذا تبعها، ويكون ذلك في الليالي البيض، أي: الليلة الثالثة عشرة من الشهر إلى الخامسة عشرة، وهو قسم بالقمر عند امتلائه أو قربه من الامتلاء؛ ليضيء الليل كله من غروب الشمس إلى الفجر، وهو قسم بالضياء في طور آخر من أطواره، وهو أثناء الليل كله! والقمر تابع للشمس من حيث الإضاءة لأن القمر مثل المرآة يعكس ضوء الشمس، فالأساس هو الشمس، فقوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا) يعني: إذا تبع الشمس، قال المفسرون: وذلك في الليالي البيض؛ لأن فيها إضاءة طوال الليل.