تفسير قوله تعالى: (يحسب أن ماله أخلده)
قال تعالى: ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ [الهمزة: ٣] هذه جملة حالية أو جملة استئنافية، فإذا كانت حالية فالمعنى: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾ [الهمزة: ٢]، وحالته وهو يجمع هذا المال ويعدده أنه يظن أن ماله أخلده.
وإذا كانت جملة استئنافية فهو ابتداء معنى جديد وجملة جديدة، فهو همزة لمزة، وهو يجمع الأموال ويعددها، وهو بجانب أنه جمع المال وعدده ((يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ)) أي: يظن أن ماله مانع له من الموت، فهو يعمل عمل من يظن أن ماله سيتركه حياً مخلداً لا يموت.
يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه وبخل بإنفاقه، مخلده في الدنيا فمزيل عنه الموت؛ وقيل: أخلده، فعل ماضي المقصود به المضارع والمستقبل، يعني: يحسب أن ماله يخلده فيما يستقبل، كما يقال للرجل الذي يأتي الأمر الذي يكون سبباً لهلاكه: عطب والله فلان، أو هلك والله فلان، وهو لم يهلك بعد، ولا دخل النار، لكن المقصود أن هذا العمل سوف يهلكه فيما يستقبل، بمعنى أنه يعطب من فعله ذلك، ولما يهلك بعد ولم يعطب، وكالرجل يأتي الموبقة من الذنوب فيقال له: دخل والله فلان النار.
انتهى كلام الطبري.
وقال الزمخشري ((يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ)) أي: طول المال أمله، ومناه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أن المال تركه خالداً في الدنيا لا يموت.
وهذا ليس ببعيد في البخلاء، فالبخلاء لهم أخبار عجيبة، كما قال الله عنهم: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ [النساء: ٣٧]، فبعض البخلاء من شدة تمكن هذه الصفة القبيحة الذميمة في قلبه يتأذى لو رأى غيره يجود! إذاً: يحسب أن ماله سيبقيه حياً لا يموت، أو يبقيه ماكثاً مكثاً طويلاً جداً، لأن هذا من معنى الخلود، أو يزيد في عمره.