تفسير قوله تعالى: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا)
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: ٥٦] يعني: من يتولى الله ورسوله والذين آمنوا، فيعينهم وينصرهم، فإن حزب الله هم الغالبون في العاقبة على أعداء الله عز وجل.
كما قال عز وجل: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: ٨٣]، وهم ممن ينجو أخيراً، والعاقبة للتقوى.
فمهما دارت الدوائر فلا بد في النهاية من أن تعود العاقبة إلى أهل التقوى، كما قال الله عز وجل: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأعراف: ١٣٧].
وأفرد الله عز وجل هنا الولي بقوله: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا))، ولم يقل عز وجل: (إنما أولياؤكم الله ورسوله والذين آمنوا) فلم يجمع مع أن الولي متعدد، ففيه إيذان بأن الولاية لله أصل، ولغيره تبع لولايته عز وجل، فالولاية أصلاً تكون لله، ثم تبعاً لولاية الله تحب كل من يوالي الله، ومن أعظم الخلق موالاة لله؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك المؤمنون من هذه الأمة، وترتيب الولاية على الأنبياء والرسل، ثم الأولياء، وأعظم الأولياء على الإطلاق هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم أشرف البشر بعد الأنبياء، وهم أوفر الناس حظاً من موالاة الله عز وجل.
فلم يجمع لفظ (الولي) مع أنه متعدد للإيذان بأن الولاية لله أصل ولغيره تبع لولايته عز وجل، فالتقدير: إنما وليكم الله، وكذلك رسوله والذين آمنوا.
هذا معنى الآية.
وثمرة هذه الآية تأكيد موالاة المؤمنين والبعد عن موالاة الكفار، قال ابن كثير: فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة -وهي قوله تعالى: ((وَهُمْ رَاكِعُونَ)) - في موضع الحال من قوله: ((وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)) أي: في حال ركوعهم.
وهذا التنبيه مهم في الحقيقة، وهو أنه يشيع الاستدلال بما في هذه الآية في فضائل علي بن أبي طالب، والشيعة -خاصة- يلهجون بأن هذه الآية فيها مدح لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه، إذ يفهم بعض الناس أن معناها: يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة في حال الركوع.
ويزعمون أن علياً أعطى الزكاة لفقير وهو في حالة الركوع، فالجملة على هذا الزعم جملة حالية، والصحيح أنها معطوفة على الصفة السابقة، فيكون المعنى: يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويركعون لله مع الراكعين، وربما تكون إشارة إلى الصلاة في الجماعة، وهذا موضوع آخر.
يقول ابن كثير: فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة -أي قوله تعالى: ((وَهُمْ رَاكِعُونَ)) - في موضع الحال، من قوله: ((وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ))، أي: في حال ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح.
أي: ما دام أن هذا الكلام صحيح فالآية مدحت من يفعل هذا، وبينت أن من يؤدي الزكاة وهو راكع أفضل ممن يؤديها خارج الصلاة.
وإذا كان الإنسان يريد هذا الثواب فليتفق مع الفقير فيقول له: تعال وأنا في الركوع لأعطيك الزكاة حتى يكون لي الثواب الأعظم.
يقول ابن كثير: ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره؛ لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى.
حتى إن بعضهم ذكر في هذا أثراً عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه، وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه، ثم روى ابن كثير الأثر المذكور عن ابن أبي حاتم وابن جرير وعبد الرزاق وابن مردويه، ثم قال: وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها.
وقد اقتص ذلك الخطابي في حواشي البيضاوي عن الحاكم وغيره بطول، ثم أنشد أبياتاً لـ حسان بن ثابت فيها، ولوائح الضعف -بل الوضع- لا تخفى فيها، لا سيما ونص حسان بن ثابت العريق في العربية بعيد مما نسب إليه، وأي حاجة بالتنويه لفضل علي عليه السلام بمثل هذه الواهيات، وفضله أشهر من ذلك.
أي: هل علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يحتاج -حينما نتكلم عن فضائله- إلى أن نختلق هذه الأكاذيب، وفضائل أمير المؤمنين في القرآن وفي السنة أشهر من أن تذكر رضي الله تعالى عنه.
قال البغوي: روي عن عبد الملك بن سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن هذه الآية ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)): من هم؟ فقال: المؤمنون.
فقلت: إن أناساً يقولون: هو علي! فقال: علي من الذين آمنوا.
قال ابن كثير: وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآية كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه حين تبرأ من حلف اليهود ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين.
والرازي توسع هنا جداً في مناقشة الشيعة في هذه القضية، ومن أراد التوسع فليرجع إلى تفسير ابن كثير.