تفسير قوله تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله من المهتدين)
ثم يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ٥٦].
قوله تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله) قوله: (الذين تدعون) يعني: تعبدونه أو تسمونه آلهةً، ثم كرر الأمر فقال: (قل لا أتبع أهواءكم) وإنما كرر الأمر تأكيداً لقطع أطماعهم، أي: لا تطمعوا أبداً بأي احتمال أن أتبع أهواءكم: (قل لا أتبع أهواءكم) يعني: في عبادة الأصنام أو في طرد من ذُكر من المؤمنين المستضعفين.
(قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين) أي: إذا فعلت ذلك، قال البيضاوي: (هو إشارة إلى الموجب للنهي وعلة الامتناع عن متابعتهم، واستجهالهم وبيان لمبدأ ضلالهم، وأن ما هم عليه هوىً)، وهذا الشعار مما نحتاج أن نتذكره دائماً في ظل غربة الدين التي نعيشها في هذا الزمان، فهذا هو الوصف اللائق بسبيل المجرمين، (قل لا أتبع أهواءكم)، فكل ما عليه أي إنسان ينحرف عن سبيل الله سبحانه وتعالى وعن صراط الله وعن دين الإسلام فليس له مسمىً إلا الهوى، ولا يجوز أن يسمى بأي تسمية فيها نوع من الاحترام له، ولا يجوز أن يسوى الإسلام بالكفر، ولا الحق بالباطل، ولا أن يقف معه على قدم المساواة، كما يتكلمون اليوم عن التعددية الحزبية والتعددية السياسية، بحيث يصبح الإسلام على قدم المساواة مع المفسدين من الشيوعيين والعلمانيين وأمثالهم من أعداء الدين، فكل هؤلاء في محل واحد هو الهوى، وكل هؤلاء أصحاب أهواء على اختلافها وتنوعها، فالباطل لا ينحصر، ولغاته كثيرة، أما النور فواحد لا يتعدد، فلذلك يقول الله تعالى: (قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين) فكل من اتبع هؤلاء في أهواءهم يصير ضالاً ويحرم من نعمة الهداية، فما هم عليه هوى، وما نحن عليه هدى، فالعاقل لا يؤثر الهوى على الهدى، وعلينا أن ننظر بصفتنا مؤمنين باستعلاء وباعتزاز بهذا الدين وبأحكام الله سبحانه وتعالى، ولا نحقق ما يرومه أعداء الدين من محاربتنا وإذلالنا بحيث نتوارى في الطرقات ونختبئ وننكمش ونشعر بالخجل من انتمائنا إلى الدين، بل نعتز بأحكام ديننا وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وننظر إليهم لا بتكبر، ولكن باستعلاء المؤمن الواثق من منهجه، وأن هذا هو منهج الحق، وأن كل ما عداه وكل ما خالفه فهو هوى وليس هدى، وما هو عليه هدى بريء من الهوى.
وفي هذه الآية أيضاً تنبيه لمن تحرى الحق على أن يتبع الحجة ولا يقلد: (قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين) يعني: إن اتبعت أهواءكم أكون قد ضللت لمخالفة الأمر الإلهي والعقل جميعاً (وما أنا من المهتدين) للحق إن اتبعت ما ذكر، ولا شك أن في الآية تعريضاً بأن هؤلاء الكفار كذلك.


الصفحة التالية
Icon