تفسير قوله تعالى: (الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا)
ثم وصف الكافرين بقوله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: ٥٠ - ٥١].
(الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً) يعني: مما زينه لهم الشيطان، واللهو: كل ما صد عن الحق، واللعب: كل أمر باطل، أي: ليس دينهم في الحقيقة إلا ذلك، فبدل الدين الذي هو عبادة الله عز وجل وتوحيده، إذا بهم يتخذون اللهو واللعب ديناً، إذ هو دأبهم وديدنهم.
(وغرتهم الحياة الدنيا) أي: بزخارفها العاجلة، فلم يعملوا للآخرة.
(فاليوم ننساهم) أي: نتركهم ترك المنسي، فلا نرحمهم بما نرحم به من عمل للآخرة.
(كما نسوا لقاء يومهم هذا) أي: كما فعلوا بلقائه فعل الناسين فلم يخطر ببالهم ولم يهتموا به.
قوله تعالى: ((وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)) أي: وكما كانوا منكرين أنها من عند الله تبارك وتعالى.
روى الترمذي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قالا: (قالوا يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحاب؟)، يعني: إذا نظر الناس وقت الظهيرة إلى السماء وليس هناك سحاب فهل يضار بعضهم بعضاً إذا أرادوا أن يروا الشمس؟! ومعلوم أن الشيء إذا كانت رؤيته غير واضحة فمن الممكن أن يزدحم الناس عليه، فهذا يدفع هذا وهذا يدفع ذاك لعدم وضوح الشيء المرئي، فيؤذي بعضهم بعضاً من شدة المدافعة أو الزحام أو عدم وضوح الرؤية؛ لكن هل يتصور أن يحتاج الناس إلى المضارة بينهم حتى يتحققوا من وجود الشمس في السماء وقت الظهر؟! لا شك أنهم لا يضارون في ذلك، ولا ينضم بعضهم إلى بعض، كما في بعض الروايات: (لا تضامون)، من شدة وضوح الرؤية.
(هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحاب؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحاب؟ قالوا: لا، قال: فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، قال: فيلقى العبد فيقول: أي فل -اختصار لفلان- ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى.
فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل: ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى أي ربي، فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب! آمنت بك وبكتابك وبرسلك، وصليت وصمت وتصدقت، أمتني بخير ما استطعت، فيقول: هاهنا إذاً، قال: ثم يقال له: الآن نبعث شاهداً عليك، ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه، فيختم على فيه، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله؛ وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه).
فالشاهد هنا في الحديث قوله: (فاليوم أنساك كما نسيتني).