تفسير قوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣٨].
قوله: ((قل للذين كفروا)) يعني: أبا سفيان وأصحابه، فالتعريف فيه للعهد، أو يكون التعريف للجنس، فالمراد بها كل الكفار، فيدخل فيهم دخولاً أولياً أبو سفيان وأصحابه.
((إن ينتهوا)) أي: إن ينتهوا عن الكفر وقتال النبي صلى الله عليه وسلم.
((يغفر لهم ما قد سلف)) أي: من الكفر والمعاصي.
((وإن يعودوا)) أي: إلى قتال النبي صلى الله عليه وسلم.
((فقد مضت سنة الأولين)) يعني: الذين تحزبوا على الأنبياء، فقد عرفتم كيف كانت سنتنا فيهم، وكيف دمرناهم تدميراً.
أو أن المقصود بقوله: ((فقد مضت سنة الأولين)) الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر.
وقوله تعالى: ((فقد مضت)) فيه دليل لجزاء الشرط؛ لأن تقدير الكلام: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا) انتقمنا منهم.
وقد استدل بالآية على أن الإسلام يجب ما قبله، يعني: يقطع ما قبله، كما جاء في الحديث، وفيها أن الكافر إذا أسلم لا يخاطب بقضاء ما فاته من صلاة أو زكاة أو صوم، أو إتلاف مال أو نفس.
وأجرى المالكية ذلك كله في المرتد إذا تاب، حيث قالوا: إن هذه الأحكام في كل الكفار، سواء كان الكفر أصلياً أو طارئاً ككفر المرتد؛ فإن تاب لا يخاطب بقضاء ما فاته من صلاة أو زكاة أو صوم أو إتلاف مال أو نفس؛ لعموم الآية.
واستدلوا بها على إسقاط ما على الذمي من جزية وجبت عليه قبل إسلامه أي: فلو أن رجلاً ذمياً وجبت عليه جزية ثم أسلم ولم يؤد هذه الجزية فإنه لا يطالب بها بعد إسلامه؛ لظاهر هذه الآية: ((قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا)) يعني: عن الكفر، ((يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)).
وعن مالك قال: لا يؤاخذ كافر بشيء صنعه في كفره إذا أسلم؛ لأن الله تعالى قال: ((إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)) و (ما): عامة تعم كل ما سلف.