تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل)
لقد بين تبارك وتعالى حال الأحبار والرهبان في إغوائهم لأراذلهم، إثر بيان سوء حال الأتباع في اتخاذهم لهم أرباباً يطيعونهم في الأوامر والنواهي، فالآية السابقة كانت في حال الأتباع، (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم) ثم بين حال المتبوعين أنفسهم فقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: ٣٤].
قوله تعالى: (ليأكلون أموال الناس بالباطل) أي: بالطريق المنكر من أخذ الرشوة في الأحكام فإذا حكم هؤلاء الناس فإنهم يأخذون الرشوة، وكذلك مقابل التخفيف والمسامحة في الشرائع وغير ذلك.
ولا شك أن من صور ذلك أيضاً شراء الأماكن في الجنة، وهذا موجود حتى الآن، فتجد هؤلاء الأحبار والرهبان يضحكون على عوام النصارى، ويحجزون لهم الأماكن في الجنة، ويعطونهم صكوك الغفران، وقصوراً في الجنة، ويصدقون هذا الكلام، ويأخذون منهم الأموال المقابل لغفران الذنوب وغير ذلك كما هو معلوم من أحوالهم! (ليأكلون) أي: ليأخذون، لكن بما أن الغرض الأعظم من أخذ الأموال هو الأكل، أطلق على ما يغلب استعمال المال فيه وهو الأكل.
(ليأكلون أموال الناس بالباطل) فيه تقبيح لحالهم وتنفير السامعين عنهم.
(ويصدون عن سبيل الله) أي: عن دين الإسلام وحكمه، أو عن المسلك المقابل في التوراة والإنجيل بما اشتروه وحرفوه.
ثم أشار إلى أن سبب ذلك هو إيثارهم حب المال وكنزه على أمر الله عز وجل، وتناسيهم وعيده في الكنز؛ لقوله سبحانه وتعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة) أي: يحفظونهما حفظ المدفون في الأرض، وهذا إشارة إلى سبب كنز وحفظ الذهب والفضة؛ لأنهما العملة التي كانت تستعمل.
(ولا ينفقونها في سبيل الله) أي: في الزكاة.
(فبشرهم بعذاب أليم) أي: مؤلم.