تفسير قوله تعالى: (ورأى المجرمون النار أكثر شيء جدلاً)
يقول سبحانه وتعالى ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٣ - ٥٤].
((ورأى المجرمون النار)) أي: جهنم المحيطة بأنواع الهلاك، ووضع المبهم مقام المضمر تصريحاً بإجرامهم وذماً لهم بذلك.
أي: فتكلم على هؤلاء الكافرين فلم يقل: (ورأوا النار) وإنما قال: ((ورأى المجرمون النار)) فإظهار وإبراز كلمة (المجرمون) فيه تصريح بالصفة التي يعرف أنهم يستحقون بسببها هذا المصير.
((فظنوا أنهم مواقعوها)) أي أيقنوا بأنهم واقعون فيها.
((ولم يجدوا عنها مصرفاً)) أي: معدلاً ينصرفون إليه، إشارة إلى ما يعاجلهم من الهم والحزن؛ فإن توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه عذاب مقدر وحاضر غير مؤجل، ومجرد توقع العذاب لا شك أنه في حد ذاته عذاب، وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قال للرجل الذي أراد أن يذبح شاة فقعد يسن السكين أمام أختها: (أتريد أن تميتها موتتين)، فكيف بالبشر؟ فهذا الانتظار وهذا العناء في حد ذاته عذاب معجل.
ثم يقول سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا))، أي: "نوعنا في هذا القرآن: الجامع للمهمات وأنواع السعادات لمصلحة الناس ومنفعتهم ((من كل مثل)) يركز على مراقي السعادات ومهاوي الضلالات لينذروا به.
((وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا))، أي: مجادلة ومخاصمة ومعارضة للحق بالباطل.


الصفحة التالية
Icon