تفسير قوله تعالى: (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات)
قال تعالى: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: ٧٢].
قال الشنقيطي: قوله: ((قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ)) أي: لن نختار اتباعك وكوننا من حزبك وسلامتنا من عذابك على ما جاءنا من البينات، كمعجزة العصا التي أتتنا وتيقنا صحتها.
والواو في قوله: ((وَالَّذِي فَطَرَنَا)) عاطفة على (ما) من قوله: ((عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ)) أي: لن نختارك (على ما جاءنا من البينات)، ولا على (الذي فطرنا) أي: خلقنا وأبرزنا من العدم إلى الوجود.
وقيل: هي واو القسم.
يعني: والله الذي فطرنا؛ على أنها قسم، وقيل: هي واو القسم والمقسم عليه محذوف دل عليه ما قبله، أي: ((وَالَّذِي فَطَرَنَا)) لا نؤثرك على ما جاءنا من البينات.
((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) أي: اصنع ما أنت صانع فلسنا راجعين عما نحن عليه ((إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)) أي: إنما ينفذ أمرك فيها فقط، فتكون (هذه) منصوبة على الظرف على الأصح، أي: وليس فيها شيء يهم لسرعة زوالها وانقضائها.
وما ذكره جل وعلا عنهم في هذا الموضع من ثباتهم على الإيمان، وعدم مبالاتهم بتهديد فرعون ووعيده؛ رغبة فيما عند الله سبحانه وتعالى، مذكور في غير هذا الموضع، كقوله في الشعراء عنهم في هذه القصة بعينها: ﴿قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ﴾ [الشعراء: ٥٠]، وقال في الأعراف: ﴿قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٥ - ١٢٦].
وقوله: ((فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)) عائد الصلة محذوف، أي: ما أنت قاضيه؛ لأنه مخفوض بالوصف ((إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا))، على أن الأقرب هو إعراب (هذه) على أنها ظرف، يعني: يمكن أن تقضي أو تحسم فقط علينا في الدنيا ولا سلطان لك على الآخرة.


الصفحة التالية
Icon