مادية شرسة لَا يؤمنون إلا بها وينكرون ما عداها، وتسد عنهم مسامع الخير، فلا يصلون إليه، ولا يتجهون نحوه، وبذلك تسد مسامعهم عن كل إنذار بعاقبة ما يفعلون.
وإذا كانوا قد فقدوا كل الإنصات إلى ما يهديهم، فهم لايؤمنون سواء أأنذرتهم أم لم تنذرهم، والإنذار يفسره علماء اللغة بأنه تخويف من أمر مستقبل يتوقع وقوعه أو يؤكد وقوعه، وعند المنذر سعة من الوقت يمكنه فيه أن يتوقاه، وقالوا: إذا لم يكن متسع من الوقت لتفاديه يكون ذلك إشعارا.
ومعنى (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ)، أنه يستوي عندهم إنذارك وعدم إنذارك، فالاستفهام هنا للمعادلة، أي أنه يستوي الإنذار وعدمه، والمصدر هنا ثبت بالاستفهام، أو من غير أداة مصدر، كقولك: تسمع بالمُعِيدِيِّ خير من أن تراه أي: سماعُك بالمعيدي خير من أن تراه.
ومعنى ذلك أنه سجل عليهم الكفر والجحود، لأن الشر قد استغرق نفوسهم، ولم يكن ثمة موضع لسماع داعي الهدى حتى أغلق قلبه عن كل ما يدعو إلى الخير، ولقد قال - ﷺ -: " إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء، وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسود قلبه " (١). وروى الترمذي أن رسول الله - ﷺ - قال: " إن الرجل ليقترف الذنب فيسود قلبه "، فإن هو تاب صقل قلبه (٢)، وقال تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قلُوبِهِم مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ)، أولئك الذين كفروا وستروا الفطرة، وأطفأوا نور الإيمان بتوالي ذنوبهم، واستمراء جحودهم، تحيط بهم خطاياهم فلا يؤمنون بالحق سواء أأنذرتهم أم لم تنذرهم.
وقد أكد الله سبحانه وتعالى هذا المعنى بـ " إِنَّ " الدالة على توكيد حكم ما بعدها.
________
(١) رواه مالك في الموطأ: كتاب الجامع.
(٢) رواه الترمذي كتاب تفسير القرآن (٥٧ ٣٢)، وأحمد (٧٦١١)، وابن ماجه: الزهد (٤٢٣٤).