أولئك، وإن كانوا داخلين فيهم؛ لأنهم جمعوا مع هذه الأوصاف أوصافا أخرى، فكانوا أشد عند الله مقتا، وأبعد في الفساد والأذى، ذلك أنهم زادوا المراءاة والاستهزاء بالمؤمنين، وبث روح الفشل فيهم، وموهوا، وعادوهم أشد من عداء الآخرين، وحاربوا في العقيدة والفساد بأشد مما حاربوا فكانوا يحاربون بالعداوة يُسرونها فتكون أفعل وبإشاعة التردد وبث روح الهزيمة عند الإقدام، وبإشاعة المآثم والمفاسد في الذين آمنوا.
هنا يسأل سائل: كيف يُنفَى عنهم وصف الإيمان، وقد كانوا يعرفون النبي - ﷺ - كما يعرفون أبناءهم، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ...)، وأنهم كانوا يستفتحون على المشركين بنبي جاء أوانه، وأدركهم زمانه. كما قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ منْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لمَا مَعَهُمْ وَكانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ...).
وإذا كانوا كذلك فهم يعرفون النبي! فكيف يكون قولهم آمنا بالله وباليوم الآخر، ليس فيه إيمان، ومنفي بقوله تعالى: (وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ)؟ ونقول في الجواب عن ذلك: إن الإيمان ليس هو المعرفة المجردة، إنما هو التصديق والإذعان والتسليم، وهؤلاء مع معرفتهم الحق في عهد النبي - ﷺ - وكانوا من اليهود، فلم يذعنوا ولم يسلموا، ولم تصل المعرفة إلى تصديق؛ ولذلك نفَى الله سبحانه وتعالى الإيمان عنهم بقوله تعالى: (وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) أي ليسوا مؤمنين. واليوم الآخر وهو يوم القيامة، وما يجري فيه من حساب ثم ثواب أو عقاب.
فالله سبحانه وتعالى أكد نفي إيمانهم بالجملة الاسمية، أي أنه سبحانه نفَى الإيمان وأصله عن ذواتهم، كما أكدوا هم في نفاقهم الإيمان بالله، وباليوم الآخر، بتكرار الباء في بالله وباليوم الآخر.


الصفحة التالية
Icon