وكلما ابتغوا الفتنة ردت إليهم وتكاثر شرهم، والبراءة منهم، حتى أن أهل كل بيت فيه منافق استأذنوا النبي - ﷺ - في قتله، حتى كانوا موضع السخرية وأحسوا بها في ذات أنفسهم، حتى برموا من أعمالهم، وإن كانوا قد استمروا في غيهم.
ولكن لم ينزل بهم عقابهم في الدنيا، وذلك لحكمة أرادها، ولمصلحة تغياها النبي - ﷺ -، وهي ألا يقتلهم حتى لَا يقال بين الأعراب وغيرهم إن محمدا يقتل أصحابه (١).
(وَيَمدُّهُمْ فِي طغْيَانِهِمْ يَعْمَهونَ) المَدُّ هو زيادة المدة في حياتهم بأن يمهلهم الله ثم يأخذهم أخذ عزيز، كما قال تعالى: (نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا)، والطغيان: الكفر والضلال، وأصله تجاوز الحد، والطغيان هنا الكفر مع الإسراف فيه، والنفاق بلا ريب إسراف في الكفر.
وِالزمخشري يفسرُ " مَد " لَا بمعنى زيادة المدة، بل بمعنى زاده، وألحق به ما يقويه ويكثره مثل قوله تعالى: (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا)، ولقد قرئ: (ويُمدُّهم) بضم الياء، وهي من المدد لَا محالة.
وقول الزمخشري: في ذلك حجة ونرجحه على غيره.
والمعنى على ذلك، أنهم مغرورون مخدوعون، يعطيهم الله سبحانه من مدد الغرور في طغيانهم، وبيان الحق وتركه ما يزيدهم في حيرتهم واضطرابهم واستمرارهم في أسباب السخرية منهم؛ ولذلك قال إنهم بهذا المدد (يَعْمَهونَ)، والعَمَهُ مثل العمى، إلا أن العمى يكون في البصر والرأي، أما العمه فإنه يكون في الرأي بمعنى الحيرة، فمعنى يعمهون يتحيرون، فهم في حيرة دائمة مستمرة.. زاد الله المنافقين في كل العصور عمى، وزادهم عَمَها..!
* * *
________
(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري: كتاب المناقب - باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية (٣٢٥٧)، ومسلم: كتاب البر والصلة - باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما (٤٦٨٢)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.