بأن علمه هو علم الإسلام، بل هو علم النفوس البشرية، وأسرار الوجود، وأنه علم النبوة الإلهية في مختلف العصور.
ولما شرفنا الله تعالى بتدريس العلوم العربية والشرعية كان أول دروسنا في تعرف معاني القرآن، فكان ذلك يمنًا وبركة وإشعارًا بتوفيق الله تعالى لنا، في مستقبل أعمالنا.
ولكنا شُغِلْنَا عن تفسير القرآن بدروس إسلامية أخرى، وإن كنا لم ننقطع عن القرآن، وإن كان ذلك في أوقات قصيرة، فكلما دعينا لمحاضرة عامة، جعلنا القول في علم القرآن غايتنا، فكنا نعود إليه الفينة بعد الفينة، حتى دعتنا مجلة دينية كانت لها مكانتها، ولصاحبها مكانة من تقوى الله، لنكتب فيها تفسيرًا أتمم به ما بدأه طيب الذكر فضيلة الشيخ محمد الخضر التونسي رضي الله عنه، وكان قد وصل في تفسيره إلى قوله تعالى: (يَسْألُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ....
وقمنا بما استطعنا، ووسعته طاقتنا حتى وصلنا إلى قوله تعالى في سورة الأنعام: (وَعِندَة مَفَاتِح الْغَيْبِ... ، ثم حيل بيننا وبين السير في محملنا، بمعوقات تتصل بوحدة النسق والكرامة.
والآن قد ابتدأنا الكتابة في معاني القرآن الكريم من أوله إلى ما وصل إليه الشيخ الإمام الخضر، رحمه الله تعالى.
حتى إذا وصلنا إلى ذلك نشرنا ما كنا قد كتبناه في المجلة، ثم نستأنف بعد ذلك القول في معاني القرآن من قوله تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ.... وقد كان مقررًا أن نكتب مقدمة للتفسير نبين فيها نزول القرآن منجما، وجمعه في عهد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما. وجمعه في عهد ذي النورين، وبيان إعجازه ووجوه ذلك الإعجاز، وعن قصصه، وعلومه، وجدله بالتي هي أحسن، وعن مناهج تفسيره وترجمته، (والغَناء به) (١).
________
(١) الغَناء - بالفتح - في كلام العرب: النفع والكفاية.