الدين، وأحسب أنه حجة الأديان السماوية كلها، فلولا القرآن ما عرفت المسيحية الحق، ولطويت في وسط الأوهام والخرافات التي اعترت العقل النصراني.
وإنا والحمد لله قد شغفنا حبا بالقرآن وتعرف أسراره ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وما وسعه وقتنا، وكنا ونحن نتلوه، ونتعرف ما يمكن أن نسمو إلى معرفته من معانيه نجد أمرين:
أولهما: أن كتب التفسير المطولة تبعثر المعاني السامية منه - وكل معانيه سامية - وسط مضطرب من الأقوال في علم الكلام ومذاهبه، وآراء الفقهاء واستدلال كل صاحب مذهب على مذهبه، فوجدنا بعض التفسيرات يتجه إلى الإعراب، ومذاهب النحويين، والمعاني الروحية السامية للقرآن تتمزق بأوجه الإعراب، والقرآن المعجز وراء ذلك مستور بغشاء من الجدل والاختلاف وتوجيه الأقوال. والموجزات من التفسير يتجلى فيها القرآن مشرقا نيِّرا كما هو في ذاته، ولكن لَا تخلو من توجيه النص القرآني بالمذهب الأشعري أو المعتزلي وإن كانت لَا تثير جدلا حول المعاني القرآنية إلا قليلا.
ثانيهما: أننا وجدنا تطابق أقوال المفسرين في فهم آيات لَا نرى أنها متفقة مع المبادئ المقررة في القرآن كأقوال المفسرين في قوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٣٢)، وتفسيرها على أنها تبين رفعة الأغنياء على الفقراء، وما ذلك بصحيح في المبادئ الإسلامية، ولا المقررات الدينية. وكذلك قول المفسرين إلى عهد الحافظ ابن كثير في تفسير الآيات (وَمَا كَانَ لمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمن يَعْصِ الَلَّهَ وَرسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا)، وقد أجمع الأكثرون قبل الحافظ على أنها في عشق النبي - ﷺ - لزينب بنت جحش، وما كان لنا إلا أن نصحح المعاني ونقول الحق الذي يناسب علو القرآن وكمال الرسالة مخالفين هؤلاء، فكتاب الله أعلى من أقوالهم، ومقام الرسول الأمثل أعلى من أقوالهم، ولو