بأن يقول التفسير صحابي أو تابعي، ولا يتصور أن يكون ذلك من غير النبي - ﷺ - وليس للرأي فيه مجال، فإذا كان للرأي فيه مجال فاحتمال أن يكون ذلك من رأى الصحابي أو التابعي، وخصوصا أنه في عهد التابعين أدخلت الإسرائيليات، ونقل عبد الله بن عمرو بن العاص حمولة زاملتين في موقعة اليرموك، وإن ما نقل لنا عن رسول الله - ﷺ - من تفسير ليس كل التفسير، ولا جُلَّه.
ثانيها: أن الراجح أن تفسير الصحابة الذين قالوه لم ينسبوه إلى النبي - ﷺ -، فكان من المحتمل أن يكون بآرائهم، وإن كان لها فضل الاقتباس من هدى النبي - ﷺ -، وإن واجب الاقتداء بهم أن نفسر بالرأي مثلهم مسترشدين بأقوالهم في فهم الآيات كما نسترشد بآرائهم في الفقه، وفي معاني الألفاظ العربية.
ثالثها: أن الصحابة اختلفوا، وكذلك التابعون، وسماع كل هذه الأقوال محال، فلا بد أن يكون بعضها صحيحا وبعضها غير صحيح. ولو كان بعضها مسموعا لوجب رد الباقي، ولا يمكن معرفة ما يرد وما يبقى؛ لأن المسموع منها غير متميز ولا معين، ويؤدي هذا إلى أن بعض هذه الاقوال كان بالرأي، وأن المتبع للآثار ولا يعدوها لَا يكون له مناص من أن يختار من هذه الأقوال المختلفة، وأن ذلك سيحمله على أن يعمل الرأي في تخير ما يختار، ويكون المتبع قد فر من الرأي ابتداء ثم وقع فيه انتهاء.
ويبين الغزالي موضع النهي عن الرأي في فهم القرآن فيرى أنه في موضعين: أولهما: أن يكون له رأي في موضوع الآية، ويميل إليه بطبعه وهواه، فيتأوَّل الآية من القرآن لتكون على وفق رأيه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى ما كان ليلوح إليه ذلك المعنى. وهذا تارة يكون مع العلم بأنه ينزل القرآن على فكره وهواه كبعض المبتدعة الذين يجادلون في آيات الله ويلحفون في الجدل للغلب، وهم يدركون أن القرآن لَا يؤيد رأيهم ولكن يتغالبون به.
وقد يكون غير قاصد الغلب، بأن تكون الآية تحتمل معنيين أو تبدو له كذلك، فيختار منهما ما يكون أوفق مع فكره، ولولا فكره السابق ما اختار ذلك المعنى.


الصفحة التالية
Icon