ثم يقول الغزالي: وهذا الجنس مما تستعمله الباطنية لتغرير الناس، ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم، وعلى أمور يعلمون قطعا أنها غير واردة به، فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي، ويكون على هذا المراد بالرأي الممنوع الرأي الفاسد الموافق للهوى دون الاجتهاد الصحيح.
ثانيهما: المسارعة إلى تفسير القرآن بظواهر الألفاظ من غير معرفة المنقول في موضوعها، ومن غير مقابلة الآيات بعضها ببعض، ومن غير معرفة العرف الإسلامي الذي خصص كبعض الألفاظ العربية، ومن غير علم دقيق بأساليب الاستنباط من حمل المطلق على المقيد، والعام على الخاص، وإدراك مواضع الإضمار والحذف، وغير ذلك من الأساليب القرآنية المعجزة، فإن ذلك يكون تفسيرا بالرأي من غير أهله، واجتهادًا في الفهم بغير أدواته، وليس ذلك من التفسير بالرأي، إنما ذلك من التهجم على ما لَا يحسن والعمل فيما لَا يتقن، وذلك قبيح في كل شيء (١).
* * *
(الطريقة المثلى)
وإن الطريقة المثلى التي توصل إلى الغاية في فهم القرآن، وتعرف معانيه، وإدراك دلائل إعجازه هي الاعتماد على النقل والعقل، فلا يصح الاقتصار على النقل وحده، ولا على العقل وحده، وإنما النظر الأمثل هو أن يعتمد على العقل والرأي وعلى السماع من أقوال رسول الله - ﷺ - في فهم القرآن، فظواهر القرآن من الألفاظ، والآثار التي تعاضد الظاهر، لَا تكفي وحدها بل تساعد العقل، وتفتح له السبل لاستخراج معاني القرآن المتسعة الأفق البعيدة المدى التي توجه الفكر إلى أعمق الحقائق العلمية والكونية والنفسية، وكلما تفتح العقل في ظل إدراك الألفاظ وظواهر اللغة أدرك إدراكا صحيحا ما تشير إليه الحقائق الكونية، وما يشير إليه القرآن.
________
(١) قال المصنف - رحمه الله - في الهامش: راجعنا هذا البحث على الإحياء مع بيان النتائج من مقدماتها.


الصفحة التالية
Icon