وقد ابتدأ من ذلك بحكم من يرتكبون هذه الجريمة المفرقة بين الجماعات، المضيعة للنسل، فقال تعالى:
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزنى هو وضع النطفة في رحم غير حلال له، أو بشكل عام: وضع العضو في عضو ليس حلالا له، والزنى أقبح الجرائم التي تفتك بالجماعات الإنسانية، ولذا قرن النهي عنه بالقتل إذ يقول سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (٣٣).
وترى النهي عن الزنى جاء بعد النهي عن
الوأد؛ لأنه من بابه، وإذا كان الوأد قتلا للولد، فالزاني كذلك؛ لأنه يرمي النطفة، ولذا لوحظ في الأمم التي تكثر فيها الفاحشة، أنها تفنى شيئا فشيئا، وأن شيوع الزنى في أمة يضعف قوتها ونخوتها ويجعلها جماعة لاهية لاعبة.
وهذه الجريمة لما فيها من فحش، وإضعاف لقوة الأمة، وإردائها في مهاوي الهلكة شدد الله تعالى عقوبتها، فقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) وهنا ثلاث إشارات بيانية: أولاها: في تقديم الزانية على الزاني، قالوا: لأن قوة الشهوة الدافعة إلى الزنى عند المرأة أقوى، وربما لَا نوافق على ذلك كثيرا؛ لأن الرجل يطلب في أكثر الأحيان، والمرأة لَا تطلب الرجل إلا قليلا، وإن حدثتها نفسها فإن الحياء يكفها إلا إذا خلعته، وقد نقول: إنها إن طلبها الرجل ولم تكن مؤمنة سارعت إليه، ونقول في تعليل ذلك إن العقوبة قاسية، وقد قدمت المرأة لكيلا يمتنع أحد عن إقامة الحد بدعوى ضعفها، والشفقة عليها والرفق بها؛ لأنها من القوارير.
ثانيتها: أن كلمة الزاني والزانية وصف بالزنى، وذلك يكون في أكثر الأحوال من تعوّد هذه الجريمة، ولذلك لَا يكون إلا ممن أعلن هذه الجريمة الفاحشة ولذلك


الصفحة التالية
Icon