الذي عجزوا عن أن يأتوا بمثله، ورأوا أتباع محمد ينمون ولا ينقصون، ورأوا ميل بعض كفارهم إلى سماع القرآن وما يدعو إليه محمد - ﷺ -.
رأوا ذلك، ولم يستطيعوا دفعه، ولكن بدل أن يذعنوا للحق إذ تبين لهم، ادعو أن ما يجيء به هو السحر، فظلموا ظلما كبيرا.
(وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا).
هنا إظهار في موضع إضمار، وذلك لوصفهم بالظلم أولا، ولبيان ظلمهم وعدم إرادتهم الحق هو الذي رفعهم إلى رمى النبي - ﷺ - بالسحر، وهو يتكلم عن اللَّه تعالى: (إِنْ تَتَّبِعونَ) إن هنا نافية، أي لَا تتبعون إلا رَجُلًا مَّسْحُورًا، أي ينطق على لسانه الحق، وهذا يومئ إلى أنهم رأوا عجائب فبدل أن يقولوا إنها من عند الله قالوا: إنه مسحور ينطق على لسانه الجن والشياطين.
وفى الآية الكريمة إشارة إلى أنه كان من أهل مكة من يريدون اتباع محمد - ﷺ -، وقد اتبعه من اتبعه.
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩)
الخطاب للنبي - ﷺ -، و (ضَرَبُوا) معناها بينوا، والأمثال هي الأحوال المتشابهة في زعم القائل، أن انظر كيف حاولوا أي تكون الرسالة مع ملك من السماء يكون ردءا للرسول في إنذاره، ثم كيف حاولوا أن يجعلوه كالملك الذي تجري كنوز الأرض تحت يديه، أو كحواشي الملوك الذين يقطنون الإقطاعات الواسعة، حاولوا عقد المشابهة بين هذه الأحوال والرسالة، وهذه أمور دنيوية تنأى عن معنى الرسالة، ولذا قال تعالى: (فَضَلُّوا) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي بسبب زعمهم هذه المشابهات ضلوا وبعدوا عن الحق وأوغلوا فشبهوا رسالة اللَّه برسالة الناس، وأنه يكون معها شاهد من قبل المرسل، كملك، وشبهوا الرسول بالملك الغني أو حاشيته، وكل هذه تشبيهات باطلة في أصل موضوعها وفى أوصاف الموضوع، فليس الله كأحد من خلقه، إنما معجزته هي الشاهد،